حديث رقم 10
نحن في مرحلة جديدة من الرياضة وهي مركّزة على المخلّص.
أهتمّ الآن بأن أعرف من هو المخلّص وأن أعرفه أكثر. نتعرّف عليه من خلال أسرار
حياته. ما معنى "أسرار حياة يسوع"؟ السرّ هو غير المرئيّ الّذي يظهر في
ما هو مرئيّ. كلّ ما يظهر في حياة يسوع يكشف حقيقة الله: المرئيّ يحمل بعدًا غير
مرئيّ. لذلك سنكتشف المسيح ليس فقط من خلال الإنجيل بل من الداخل. سنحاول أن نرى
دوافع قلب يسوع وكيف يأخذ يسوع قراراته وما هي معاييره. هذه المرحلة يجب أن تُعاش
بشكلٍ جديّ جدًّا للأشخاص الّذين يريدون اتّخاذ قرار ليس فقط مع المسيح بل من
أجله. هم في قرار مصيريّ. ومن المـُفضّل أن يلتزموا إلى أقصى حدّ التأمّل وفحص
الضمير.
في هذه المرحلة الجديدة، سنستعمل طريقة
التأمّل أحيانًا وطريقة المـُشاهدة أكثر الوقت. سنُشاهد (أي ننظر ونصغي) أسرار
يسوع. نحن نتحوّل إلى ما نُشاهد. ما نشاهده ينعكِس علينا. سنأخُذ الوقت بأنّ نرى
يسوع فقط.
سننتقل من الّذي نراه في يسوع إلى
قلبه. ما هي دوافع يسوع العميقة؟
1. الآب: كلّ
أعمال يسوع وكلماته وشعوره وتصرّفاته متمحورة حول الآب. "طعامي أن أعمل مشيئة
الّذي أرسلني" (يو 4: 34). يسوع هو الإنسان الّذي عرف الله، ويظهر لنا ماذا
يكون الإنسان حين يعرف الآب. دعوة الآب "كن، أريدك، أحبّك" حوّلت يسوع
إلى ما هو عليه، وما نشاهده ونسمعه في أسرار حياته. الآب هو سرّ يسوع، سرّ حرّيّته،
سرّ قوّته، سرّ حبّه.
2. الروح
القدس: هو الّذي يُظهر يسوع في العالم، منذ الحبل به، كما كان يرفرف فوق المياه في
بداية الخلق. الروح يخرج المسيح إلى الوجود من قلب العالم (في جسد مريم) كما أخرج
العالم من العدم. هو الّذي يخرج المسيح إلى الحضور من قلب حياتي: هو يجعلني حامل
المسيح كما جعل مريم. يسوع ينقاد للروح ويسير بإلهاماته. عند ساعة انتقاله إلى
الآب، يقول يسوع للتلاميذ "أعطيكم معزّيًا آخر" هو الروح القدس. على
الصليب "يسلم روحه" لتلاميذه. غاية رسالة يسوع أن يُعطى الروح للناس.
3. البشر: من
أجلهم يبذل يسوع ذاته، لا شفقة متعالية ولكن رغبة في وحدة الحال والمصير معهم.
ينظر إليهم كخراف لا راعي لها ويأخذ قرارًا: أن يكون معهم ومن أجلهم.
4. إخلاء
الذات: ليسوع أسلوب خاصّ في التصرّف هو أيضًا دافع في قلبه، وهو أسلوب إخلاء
الذات. كلّ ما هو له يريد أن يضعه في شركة مع الآخرين. هذا الأسلوب لا يستطيع
العدوّ أن يقلّده. قد يقلّد الأعاجيب، والعقائد، والتعاليم... أمّا بذل الذات فلا
يستطيع أن يقلّده. يسوع يطلب أن ينال الآخرون ما هو له، هذا أسلوبه.
في كلّ حياته الّتي سنشاهدها سنرى
هذه الدوافع وننطبع بها حتّى تصير دوافعنا نحن، حتّى نتعلّم منها أن نأخذ قرارات
حياتنا. هكذا تظهر حياة يسوع فينا، وهكذا نشارك في عمله، أي في خلاص العالم.
المرحلة الأولى من الرياضة كانت
مهمّة لكي نتذكّر في هذه المرحلة القادمة أن يسوع الّذي أشاهده هو مُخلّصي وهو
الأقرب إليَّ من الجميع. عمل الخلاص مرّ فيّ وغيّر حياتي. رغبتي الآن هي في أن
أتصرّف بحياتي بحسب ما يفيد عمل الخلاص. هذه الرغبة تنبع من الشكر والعرفان: لأنّ
المسيح خلّصني، أريد أن أعمل معه على تحقيق رسالته. أقول له: هاءنذا، تصرّف بي كما
يفيد رسالتك.
في نصّ المولود الأعمى، نرى أنّ البشريّة هي ليست
مكتملة. ونرى يسوع يكمّل الخلق عندما يشفيه. ذَكَر يسوع اسم البحيرة سلوام ليقول
لنا أنّ الخلق لن يكتمل إلّا مع أُناسٍ يقولون هاءنذا أي الرسل. نرى في هذا النصّ
أنّ الناس متذبذبين (غير ثابتين) بينما نرى يسوع راسخًا ثابتًا. يحمل يسوع اسم
الله عندما يقول "أنا هو" كما قالها في بستان الزيتون. ونرى أنّ الأعمى
يردّد هذه الجملة أيضًا. كلّ إنسان لمسه الربّ يستطيع اليوم أن يقول أمام الأمور المتزعزعة:
"أنا هو". يصبح راسخًا تجاه التجارب والصعوبات.
دعوة الملك الزمنيّ تساعد على مشاهدة حياة الملك الأزليّ
الصلاة: الصلاة التمهيديّة كالعادة
المقدّمة الأولى: تصوّر المكان: أرى المكان.
هنا أرى بعين المخيّلة المجامع والبلدات والقرى الّتي كان المسيح ربنا يبشّر فيها.
المقدّمة الثانية: أطلب النعمة التي أريدها.
هنا أطلب النعمة إلى ربّنا لكي لا أتصَامَّ عن دعوته، بل أن أسرع وأجد في تتميم
مشيئته المقدّسة.
القسم الأوّل
92 النقطة الأولى: أتصوّر ملكاً بشريّاً
اختارته يد الله ربنا، يُقدّم له التكريم والطاعة جميعُ الأمراء المسيحيّين وجميع
رجالهم.
93 النقطة الثانية: أنظر كيف يخاطب هذا الملك
أهل رعيّته جميعاً ويقول لهم: "إرادتي أن أفتح بلاد غير المؤمنين. ولذلك فمن
أراد أن يأتي معي، فعليه أن يكتفي بما لي من الطعام والشراب واللباس، الخ، وعليه
أن يكدّ معي في النهار ويسهر في الليل، الخ، فيشاركني بعدئذٍ في النصر كما يكون قد
شاركَني في الكدّ".
94 النقطة الثالثة: أعتبر كيف يجب على الرعايا
الأمناء أن يجاوبوا ملكاً على هذا الجانب من الكرم والإنسانيّة، وما أحرى من لا
يلبّي طلبَ ملك كهذا بأن يوبّخه جميع الناس ويعدّوه فارساً جباناً.
95 القسم الثاني
القسم الثاني من هذه الرياضة هو تطبيق مثل الملك الزمنيّ
السابق على المسيح ربنا، طبقاً للنقاط الثلاث المذكورة أعلاه:
النقطة الأولى: إذا أصغينا – ولا بدّ – إلى
مثل تلك الدعوة التي يوجّهُها الملك الزمنيّ لرعاياه، فما أحرانا بالإصغاء إذ نرى
المسيح ربّنا، الملك الأزليّ، وأمامه العالم بأسره وهو يدعوه، كما أنه يدعو كلّ
واحدٍ بمفرده فيقول:
"إرادتي أن أربح العالم كلّه، وأن أقهر جميع
الأعداء وأن أدخل هكذا مجد أبي. ولذلك، فمن أراد أن يأتي معي فعليه أن يكِدَّ معي،
حتى إذا تبعني في الكدّ تبعني في المجد أيضاً".
96 النقطة الثانية: أعتبر أن كل ذوي بصيرة وُرشد
يقدّمون، ذواتهم بكاملها للكدّ.
97 النقطة الثالثة: إنَّ الذين يُريدون أن
يزدادوا تعلُّقاً وتميُّزاً بكلِّ خدمة لملكهم الأزليّ ولربّ الجميع، لن يقتصروا
على تقديم شخصهم للكدّ، بل يقاومون ما هو محسوس فيهم وحبّهم الجسديّ والعالميّ،
فيقدّمون تقدمات أثمن وأسمى، قائلين:
98 "أيّها الربّ الأزليّ، ربّ جميع
الأشياء، أقدّم تقدمتي، بإنعامك وعونك، أمام صلاحك اللامتناهيّ، وأمام أمِّك
المجيدة وجميع قديسي البلاط السماويّ وقديساته. أريد وأرغب وهذا هو قراري المتعقّل
– بشرط أن يكون ذلك لخدمتك العُظمى ولتسبيحك الأسمى – أن أقتدي بك، محتملاً جميع
الإهانات، وكلّ ذلُ، وكلّ فقرٍ سواء كان فعلياً أو روحياً، إن أراد جلالك القدوس
أن يختارني ويقبلني في مثل هذه الحياة وهذه الحالة".
حديث رقم 11
ما معنى أنّنا نؤمن بإلهٍ تجسّد؟
عندما نتكلّم عن إلهٍ تجسّد، لا نتكلّم عن أسطورة. في الأساطير تنزل الآلهة بأشكال مختلفة وتتدخّل في حياة الناس. يوجد عندنا ميل لأنّ نتصوّر إلهًا على صورتنا أتى واختبأ في شكل إنسان. هذا ليس إيماننا ولا ما يعلّمه الكتاب المقدّس. أنّ نؤمن بإله تجسّد هو أن نؤمن بإله قادر أن يشارك الإنسان في كلّ شيء ما خلا الخطيئة. يقول لنا الآباء أنّ الله صار إنسانًا ليُصبح الإنسان إلهًا. إذًا المنطق هو منطق الشركة.
هذه الشركة موجودة في الكتاب المقدّس من قبل التجسّد في كلمة عهد. يقول لنا النبيّ أشعيا: " ليتك تشق السماوات وتنزل."(أشعيا ٦٣: ١). هذه العلاقة تستدعي أن "ينزل" الله. وقبل أن يطلب الإنسان وجه الله، سأل الله: آدم أين أنت؟ الشركة الكاملة هي الاتّحاد. ونرى هذا الاتّحاد أيضًا في نشيد الأناشيد.
في سفر الخروج، عند لقاء موسى بالله، قال له: "إنّي قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من اجل مسخريهم. إنّي علمت اوجاعهم. فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريّين وأصعدهم من تلك الارض الى أرضٍ جيدةٍ وواسعةٍ" (خروج ٣: ٧-٨). إلهنا يرى ويسمع، يعلم ويأتي. لم نرَ أنّ الله رأى ولم نعرف أنّه سمع صراخنا. نحن نرى فقط موسى المـُرسل وهو صورة مُرسلِه ومن خلاله نعرف أنّ الله ينزل إلى شعبه. نحن لا نرى الله ولكنّنا نرى مجده عندما نرى الّذي أرسله. نرى أنّ الله يُحبّ عندما نرى إنسانًا يُحبّ. فإن كان هذا الموضوع يُطبّق على موسى فكم بالأحرى على يسوع. رأينا مجد يسوع، "مجد وحيد للآب" (يو1). رأينا في صليب يسوع كم أحبّنا الله. الرسول يُظهر المـُرسل. فالرسول الكامل هو الّذي يُظهر الله بطريقة كاملة. المـُرسل الكامل هو الله نفسه، هو يسوع. عندما يُظهر الله نفسه، يُظهر إنسانًا هو يسوع وفيه يُظهر كلّ حبّه للبشر. تجسُّد الله في يسوع المسيح ليس شيئًا جديدًا. يحضّرنا كلّ الكتاب المقدّس لهذا الحدث. في الرسالة إلى العبرانيّين: "الله بعد ما كلّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواعٍ وطرق كثيرة، كلّمنا في هذه الأيّام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثًا لكُلِّ شيء الذي به أيضًا عمل العالمين"(عب ١: ١-٢). أصبحت الكلمة هي نفسها النبيّ. "الكلمة صار جسدًا"، صار نبيّ. الإسلام واليهوديّة يقومان على إنسان مُرسل من الله ولكنّه ليس الله ولهذا السبب يَصِلون إلى الشريعة. في المسيحيّة يَكشف الله نفسه وليس شريعته. يقول إيريناوس إنّ كلمة الله "تعوّدت" على البشر على مدى العهد القديم وعوّدت البشر عليها، لتصير هي نفسها بشرًا.
أيوجد كلمة تكفي لتقول لنا من هو الله؟
بحسب القدّيسين بولس ويوحنّا، أكبر كلمة هي الحبّ. ولكن حتّى كلمة حبّ لا تكفي. الحبّ الّذي نسمع عنه في الأغاني يختلف عن الحبّ الّتي كتب عنه يوحنّا. لا توجد كلمة تُلخّص مَن هو الله. ولكن ليُكشف الله لنا، يجب أن تُعاش هذه الكلمة في قصّة. هل كلمة حبّ تشرح لنا من هو الله أم الله يشرح لنا ما هو الحبّ؟ كلمة بذل الذات تختلف عن عيشها. هي ليست فكرة ولا شعور بل قصّة واقعيّة. لكي نستطيع أن نقول أنّ الله موجود يجب أن نرى إنسانًا بذل ذاته وهذا الخبر السارّ أنّ هذا الإنسان موجود وهو يسوع. يجب أيضًا أنّ تُعاش هذه القصّة من جديد. لا يكفي أنّ يكون هناك ابن واحد لله. بالمسيح أنا كلمة الله في العالم. نحن رسالة كتبت لا بالحبر بل بالروح الحيّ ولا في ألواح حجريّة بل في قلوبٍ لحميّة (٢ قورنتس ٣:٣).
ما معنى أنّ يسوع لديه طبيعتين؟
هدف العقائد أن تحافظ على الشركة، أن تحمي قصّة الخلاص. ولكنّنا حوّرنا وفهمنا يسوع بطريقة أخرى وكأنّه محبوس داخل عقائد ووضعنا بيننا وبينه حاجز. ما معنى إذًا بالنسبة لنا أنّ ليسوع طبيعتين؟
لو لم يكن المسيح إنسانًا لمّا تمّ الخلاص. كإنسانٍ، أحبّ يسوع الله إلى أقصى حدّ ليعلّمنا كيف نحبّه. والخلاص ما كان ليتمّ بشكل كامل لو لم يكن يسوع إلهًا كاملاً. لأنّه إله فهو قادر أن يجعلنا أبناء الله. لو كان إلهًا فقط، لكانت حياتي مُستحيلة أن تُعاش كما هو عاش هذه الحياة. عندما نقتنع بأنّ حياتنا هي مُستحيلة أن تُعاش، نقتنع أنّنا لن نستطيع أن نقول، كما قال هو، هاءنذا. وهذه حجّة لنا لكي نحمي أنفسنا من اتخّاذ القرار.
يسوع أيضًا، لديه القدرة الإلهيّة وهي القدرة على الخلق، على كلمة "كُن". هو يستطيع، من دمارٍ، أن يُنهض الناس إلى حياة جديد. الله هو قدرة لخلق الإنسان من جديد. كان يسوع كلمة "كُن" بين الناس. مَن قَبِل هذه الكلمة نال الخلاص، ومن رفضها بقي في الموت. يسوع قادر أن يخلي ذاته وأن يخلق. يريد أن يرينا أنّ الإنسان قادر أن يقول لله هاءنذا. يسوع الابن، يجعلني أرى، أنا الابن، كيف أقول هاءنذا. في عبادة قلب يسوع، أرى القلب الموعود من القديم، قلب الإنسان المتّحد بالله. هذا القلب الجديد هو يسوع ومن خلاله أرى أحشاء الله، أرى حبّ الله للبشر.
ما معنى أنّ يسوع هو شخص واحد بطبيعتين؟
الآب يجعل يسوع واحدًا، لأنّ الله الآب يراه واحدًا ويسلّمه كلّ شيء. في التأمّلات الآتية، سننظر إلى يسوع ونتجّه نحوه. الآب سلّم كلّ شيء إلى يسوع، الإله والإنسان. ولأنّه أعطى كلّ شيء إلى إنسان، أعطاه لنا أيضًا. جسدنا البشريّ هو في قلب الله من لحظة التجسّد.
الرسول يتكلّم باسم الله. والكاهن يكلّم الله باسم البشر. كلمة حبر Pontife، تعني جسر. يسوع المسيح يجمع البشر والله. هو الجسد الممدود بين الإثنين، يحمل فيه كلّ التناقضات بين الطبيعتين. ولهذا هو مصلوب قبل أنّ يُصلب حقيقةً.
كان يسوع ينمو في القامة والحكمة والنعمة. لم يكن يعرف كلّ شيء. وليس ضروريًّا أنّ يعرف معلومات علميّة. قدرته أن يُخلي ذاته. تعلّم من مريم ويوسف والآخرين كلّ شيء. وتعلّم من الكتاب المقدّس وانفتح أكثر وأكثر على الله إذ كان ينمو في النعمة. يسوع آمن بالله. وآمن، على الصليب، بقيامته من بين الأموات ولم يكن يعرف ذلك وإلاّ لكان الخلاص مسرحيّة نفذّها يسوع. الهدف من هذه الشروحات ألا نضيع في التأمّلات بين هذين الطبيعتين.
الثالوث الأقدس
طالما أتجّه إلى الله، أتجّه إلى الإله الواحد. عندما أختبر الله في داخله، أرى الثلاثة وأكون مُحاطًا بالثلاثة. عندما أختبر أنّني داخل الله، أختبر هذه العلاقة بين الآب والابن. هو إله واحد طالما أريده أن يوحّدني. العلاقة بين الآب والابن والجرح الّذي يُفتح لي في هذه العلاقة هو الروح القدس. يوجد مساحة روحيّة بين الآب والابن تستقبل أناسًا آخرين. نحن نؤمن أنّ هذه المساحة هي منذ الأزل. وطننا الحقيقيّ هي في علاقة الآب والابن. هذه المساحة هي انفتاح للشفاعة. علاقة القدّيس بالله تغذّيني. هي علاقة تفتح لي طريقًا جديدًا لكي أستقبل النعم الّتي استقبلوها.
في المرحلة الآتية، سنُشاهد يسوع. يسمّيها القدّيس إغناطيوس، مشاهدة أسرار حياة يسوع. لماذا السرّ؟ السرّ، بالمعنى المسيحي، هو عندما يكشف شيء مرئيّ لي شيئًا غير مرئيًّا. كلمات يسوع تفتح لي طريقًا لكي اعرف الله من الداخل. القدرة على رؤية علامة من منظر عاديّ هو السرّ. السرّ هو طريق من المرئيّ إلى شيء أعلى وغير مرئيّ. الطفل في المذود هو علامة على حبّ الله. سندخل إلى الأسرار وكأنّ السرّ يُفتح لي لكي أرى. هذا يتطلّب التواضع لكي أدخل من دون أن أتملّكه. السرّ هو ما لا يمكنني اغتصابه. عندما نستمرّ بالنظر في هذه الأسرار سنصل إلى أشياء جديدة. سنشعر وكأنّنا في وسط المشهد.
ما هي الطريق الّتي أخذها يسوع ليخلّصنا؟
يتبع يسوع دائمًا طريقًا. وهي، في الكتاب المقدّس، طريق الله الّتي يأخذها إلى الإنسان. في كلامه إلى زكّا يقول يسوع: " أسرع وانزل لأنّه ينبغي عليّ ان أمكث اليوم في بيتك" (لو ١٩: ٥) ويقول ليوحنّا لحظة العماد: "اسمح الآن. لأنّه هكذا يليق بنا أن نٌكمل كلَّ بِرّ" (متّى ٣: ١٥). يسوع أخضع كلّ شيء، حتّى الطريق، لكي يصل إليّ. هذا الطريق أوصل يسوع إليّ. وأنا أحبّ هذه الطريق، وأحب أن أكتشفها. سيوصلني هذا الطريق إلى اكتشاف طريقي أيضًا.
قصّة واحدة أم قصّتين؟
حين يروي متّى حياة يسوع، خصوصًا رواية ميلاد يسوع وطفولته، نراه دائمًا يتمّم النبوءات. "حدث هذا ليتمّ ما قيل على لسان النبيّ..." جملة تتردّد كثيرًا عند متّى. وكأنّ حياة يسوع تتبع برنامج، تتبع طريقًا مرسومًا. ولكن هي أيضًا تتبع ظروف الحياة والتاريخ. وكأنّنا أمام قصّتين: قصّة الظروف الّتي تتحكّم في حياة يسوع تروي في الوقت نفسه قصّة تدبير الله الّذي يأتي إلينا في قصّة يسوع. خذوا مثلاً هروب يسوع إلى مصر. هرب بسبب شرّ هيرودس. ولكنّه بذلك يتمّم الكلمة: "من مصر دعوت ابني". هل يعني هذا أنّ هيرودس كان مُجبرًا على العنف ليتمّم الأنبياء؟ طبعًا لا، لكنّ الظروف الواقعيّة تخدم منطق التدبير الإلهيّ، أي أنّ الله يستخرج تدبير الخلاص من داخل تاريخ البشر ويصنع خلاصًا حتّى من خطيئتهم، كما سبق ورأينا حين تكلّمنا على الغفران ("سعيدة الخطيئة"). تلازم القصّتين مهمّ جدًّا لنفهم أنّ تدبير الله يعمل في داخل ظروفنا وقراراتنا بدون أن نظنّ أنّ الله يحرّك الظروف كما في مسرحيّة الدمى. لنأخذ مثلاً كلمة "أحبّك"، هي خاضعة لقواعد اللغة (فعل مضارع مرفوع فاعله مستتر تقديره أنا والكاف في محلّ نصب مفعول به)، لكنّ الكلمة ليست أسيرة قواعد اللغة، بل لها معنى، والمعنى يُخضع لنفسه قواعد اللغة بدون أن يتدخّل فيها. تمامًا مثل قصّة المولود أعمى: سبب عماه في الماضي، مشكلة وراثيّة ربّما، عيب خلقيّ، لكنّ معنى عماه ليس أسير الواقع، ليس في الماضي، بل في المستقبل: هو أعمى لكي يظهر فيه مجد الله. لا يدخل الله في تاريخنا مثل لاعب آخر من ضمن لاعبين كثر، بل يدخل في تاريخنا بأنّه يعطي معنى ووجهة لتاريخنا. ليس الله في الماضي، من ضمن الأسباب، بل هو في المستقبل، في ما يؤول إليه تاريخنا. (الأزل = خارج الزمان، غير خاضع للزمان؛ كما أنّ السماء = خارج المكان، غير خاضع للمكان).
ما معنى اسم يسوع؟
نعيّد اسم يسوع في رأس السنة. اسم "يسوع" كان يملكه آخرون. عندما نعرف الاسم، يصبح لدينا مكانة خاصّة عند الآخر. الله أعطانا اسمه بالروح، ونسمّي الآب "أبّا" وعندما نعرف اسم يسوع يُصبح لنا دالّة عليه. نصبح في علاقة حميمة معه ولا علاقة تسلّط. اسم يسوع هو لنا صداقة معه.
عندما نفعل أمور باسم يسوع، نفعلها وكأنّه هو الّذي أرسلنا. الذبيحة والحلّ من الخطايا هي باسم يسوع. هي السلطان الّذي أعطي للكاهن باسمه. عندما نعيش باسم يسوع وكأنّنا نعيش بالوكالة. علاقة يسوع بالآب انفتحت أيضًا لنا.
عندما نحمل اسم يسوع، يعني أنّنا نشارك في مصيره. "تعييرات معيّريكَ وقعت عليَّ" (مزمور ٦٩: ٦). وأكثر من هذا، بسببنا يجدّف على يسوع ليل نهار. وهو يقبل هذا ويحوّل الموت إلى حياة.
المشاهدة في التجسّد
تتضمن الصلاة التمهيدية وثلاث مقدمات وثلاث نقاط ومناجاة
الصلاة: الصلاة التمهيدية كالعادة
١٠٢ المقدمة الأولى: أتذكر خبر ما أنا مُزمع أن أشاهده. وهنا أتذكر الأقانيم الإلهية الثلاثة ينظرون إلى وجه الكون أو كرته الغاصة بالبشر. وعند رؤيتهم الناس ينحدرون جميعاً إلى جهنم، يقررون في أزليتهم تأنس الأقنوم الثاني ليخلص الجنس البشري. وعندما تتم الأزمنة، يرسلون الملاك جبرائيل إلى سيدتنا. (لوقا 1: 26-38)
١٠٣ المقدمة الثانية: تصور المكان: وهنا أرى سعة العالم وكرته، حيث تعيش شعوب كثيرة جداً ومختلفة جداً. ثم أرى أيضاً بنوع خاص بيت سيدتنا وغرفها في مدينة الناصرة في إقليم الجليل.
١٠٤ المقدمة الثالثة: أطلب ما أريد. وهنا أطلب معرفة الرب الذي تأنس لأجلي معرفة باطنية، لكي أتقدم في حبه وأتباعه.
١٠٦ النقطة الأولى: أرى الأشخاص بالتتالي: أولاً أولئك الذين على وجه الأرض، في تنوع ملابسهم ومواقفهم: منهم البيض ومنهم السود، منهم في السلم ومنهم في الحرب، منهم في الدموع ومنهم في الضحك، منهم في العافية ومنهم في المرض، منهم يولدون ومنهم يموتون، إلخ.
ثانياً: أرى وأعتبر الأقانيم الإلهية الثلاثة وكأنهم على كرسيهم الملكي أو على عرش الجلال الإلهي، ينظرون إلى وجه الأرض كلها، وإلى جميع الشعوب، كيف هي في عمى شديد جداً وكيف تموت وتنحدر إلى جهنم.
ثالثاً: أرى سيدتنا والملاك الذي يسلم عليها. وأفكر لأجني بعض الفائدة مما أرى.
١٠٧ النقطة الثانية: أستمع إلى ما يقوله الأشخاص على وجه الأرض: أي كيف يتحدثون فيما بينهم، كيف يحلفون ويجدفون، الخ. وكذلك ما يقوله الأقانيم الإلهية، أي: "لنفتد الجنس البشري" الخ. ثم ما يقوله الملاك وسيدتنا. وأفكر بعدئذ لأجني بعض الفائدة من أقوالهم.
١٠٨ النقطة الثالثة: ثم أنظر إلى ما يفعله الأشخاص على وجه الأرض: فإنهم يضربون ويقتلون ويذهبون إلى جهنم، الخ. وكذاك ما يفعله الأقانيم الإلهية، أي أنهم يُجرون التجسد المقدس، الخ. وكذلك ما يفعله الملاك وسيدتنا: فالملاك يقوم بمهمته كرسول، وسيدتنا تضع وتشكر الجلال الإلهي. وأفكر بعدئذ لأجني بعض الفائدة من كل من الأمور هذه.
١٠٩ المناجاة: وفي النهاية أقوم بمناجاة، مفكراً في ما يجب أن أقوله للأقانيم الإلهية الثلاثة، أو للكلمة الأزلي المتجسد، أو للأم وسيدتنا. وأطلب بحسب ما أشعر به في ذاتي، لكي أزداد في أن أتبع وأقتدي بربنا المتجسد حديثاً. وتلاوة "أبانا".
مشاهدة في الميلاد
الصلاة: الصلاة التمهيدية كالعادة
١١١ المقدمة الأولى: الخبر. وهنا كيف انطلقت سيدتنا من الناصرة وهي حامل في الشهر التاسع، مع يوسف إلى بيت لحم لتأدية الواجب الذي فرضه قيصر على جميع تلك البلاد. (لوقا ٢\١-٧)
١١٢ المقدمة الثانية: تصور المكان، وهو رؤية المكان. وهنا أرى بعين المخيلة الطريق المؤدية من الناصرة إلى بيت لحم، واعتبر طولها وعرضها، هل تلك الطريق هي في السهل أم عبر الأودية والتلال. وأنظر إلى مكان الميلاد أو المغارة أيضاً، هل هي كبيرة أو صغيرة، منخفضة أو عالية، وكيف كانت معدة.
١١٣ المقدمة الثالثة: هي المشاهدة السابقة نفسها وفي الشكل عينه.
١١٤ النقطة الأولى: أرى الأشخاص. أرى سيدتنا ويوسف والطفل يسوع بعد ميلاده، وأجعل نفسي فقيراً صغيراً وعبداً صغيراً غير مستحق ينظر إليهم ويشاهدهم ويخدمهم في حاجاتهم بكل ما بوسعه من الاحترام والتكريم، كما لو كنت حاضراً.
ثم أفكر في نفسي لكي أجني بعض الفائدة.
١١٥ النقطة الثانية: أنظر وألاحظ وأشاهد ما يقولونه.
ثم أفكر في نفسي فأجني بعض الفائدة.
١١٦ النقطة الثالثة: أنظر وأعتبر ما يفعلونه: أي سفرهم وكدهم لكي يولد الرب في فقر مدقع، وفي نهاية هذا القدر الكبير من جميع أنواع الكد، وبعد الجوع والعطش، والحر والبرد، وأنواع الإهانة والذل، يموت على الصليب. وكل ذلك من أجلي.
ثم أفكر فأجني بعض الفائدة الروحية.
١١٧ المناجاة: أختم بمناجاة وبتلاوة "أبانا" كما في المشاهدات السابقة.
-------------------------------------------------------------------
لوقا ٢: ٧ : " لأنّه لم يكن لهما موضع في المضافة"
- أفكّر في حبّ الربّ الّذي رضي بأن يحمل هذا المصير لأجلي ولأجل خلاصي
- أفكّر في كيفيّة تنظيم حياتي لكي يكون للربّ في حياتي دائمًا موضع، بل الموضع الأوّل، لأبادل حبّه بحبّ
- أفكّر في استعدادي أن أبادله حبّه بحبّ مماثل فأرضى أن أقاسمه المصير، أي أن أختبر بنفسي الرفض من أجل مشروعه، أي خلاص البشر الّذين من ضمنهم أنا.
أتبع هذه الدرجات الثلاث في كلّ مشاهداتي.
تطبيق الحواسّ الخمس على المشاهدتين الأولى والثانية
الصلاة: بعد الصلاة التمهيديّة والمقدّمات الثلاث، من المفيد إعمال حواسّ المخيّلة الخمس في المشاهدة الأولى والثانية، على الطريقة التالية:
122 النقطة الأولى: أرى الأشخاص بعين المخيّلة. أتأمّل وأشاهد بالتفصيل ظروفهم الخاصة. وأجني بعض الفائدة ممّا أراه.
123 النقطة الثانية: أسمع بالأذن ما يقولونه أو يمكن أن يقولوه. ثمّ أفكّر في نفسي فأجني بعض الفائدة.
124 النقطة الثالثة: أستنشق بالشمّ وأتذوّق بالذوق – بحسب الشخص الذي أشاهده – ما لألوهيّة النفس وفضائلها ولسائر الأشياء من حلاوة وعذوبة لا حدّ لهما. ثمّ أفكّر في نفسي وأجني بعض الفائدة.
125 النقطة الرابعة: أتلمّس باللمس، فأقبِّل وألثم مثلاً الأماكن التي يمرّ بها ويجلس فيها الأشخاص، محاولاً دائماً أن أجني بعض الفائدة.
حديث رقم 12
(مراجعة بشأن المشاهدة وتطبيق الحواسّ. الدخول في السرّ هو دخول في طريق يصل بي إلى سرّي أنا وطريقي أنا... إلى دعوتي).
على مثال يسوع الّذي اختار البقاء في الهيكل، نحن أمام اختيار الطريق الّتي سنكمّلها. والبعض سيشعر أنّه بحاجة إلى اختيار بين مفترق طرق. هل حياتي مدعوّة لتستمرّ بهذا الاتجاه؟ أو أذهب إلى حياة فيها خدمة أكثر لله؟ يعبّر يسوع عن نار في داخله لكي يترك ويتبع الآب.
حياة يسوع الخفيّة هي حياة بشريّة عاديّة مثل حياة أَيْ إنسان. هذه الحياة، الّتي نعتبرها تافهة، عاشها يسوع بملئِها. عندما علّم تلاميذه التطويبات كان يعلّمهم عن حياته إذ كان هو أيضًا فقيرًا بالروح، ينتظر كلّ شيء من الآب. كان رحومًا، عاش الرحمة في داخله عندما عاين الظلم من حوله. كان أيضًا وديعًا، يرث الأرض ولا يغتصبها مثل الإنسان العنيف بل الوديع. عاش يسوع كلّ هذه التطويبات.نقاط تساعد للتأمّل
الإثنين 30 كانون الأول 2013.
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
أنا في أورشليم .. بالتحديد عند أبواب الهيكل.. الجموع بانشغال مستمر ذهاباً وإياباً .. يلفت إنتباهي من بين كلّ هذه الحشود مجيء تلك العائلة الصغيرة حيث الأم تغمر مولوداً بين ذراعيها " تقدمة العالم"، والرجل يحمل فرخي حمام "تقدمة الفقراء"..أتبعهما عن قرب إلى داخل الهيكل ..أرى شيخاً تشعَ منه التقوى..أشعر بروح الله الساكن فيه الذي يدفعه للقاء مريم ويوسف والطفل..أصغي بصمت قلبي إلى كلمات سمعان وأحاول ان أجد لها صدى في عمق رغبتي بأن "ألقى يسوع لأعرفه معرفة باطنية وأحبّه وألتزم به"...
النقطة الثانية :
أجد بسمعان الشيخ رمز "العهد القديم"..وبمجيء مريم ويوسف من الناصرة إلى أورشليم – كلّ هذه المسافة – ليؤديا ما تفرضه شريعة موسى رمز "لكلّ الطقوس والممارسات والروتين التُقوي "..أشاهد "الطفل " ينتقل من حضن الأم لذراعي الشيخ ..أرى في هذه الحركة "العهد القديم" يستقبل "العهد الجديد".. أشاهد فيها أمانة الله ووفاءه لوعده الذي بدأ مع إبراهيم ..أدخل إلى عمق تاريخي..أبحث عن مشاعر وأحاسيس تكبّلها "عهود قديمة"، وعن "مشاعر روحية مخنوقة بممارسات وشعائر " فقدت "طعم الروح ونفحته فيها"..أدعو الطفل المخلص "إلى حضن هذه المشاعر" وأدعه يقودها بنور روحه ..
النقطة الثالثة :
"نوراً يتجلى للوثنيين ومجدا لشعبك إسرائيل" أتخيّل ما هي "تأثيرات النور عامة" في العالم.. ألمس أهميّته خاصة عند حلول الظلام..أنظر إلى ميزته الخاصة ألا وهي "الشمولية" "الفصل" "والتمييز".. أدع هذا النور يخرق عمق ذاتي..أتحسس عمله فيّ ..أراه يكشف لي عن مكنونات "قلبي (هنا بمعنى القلب مركز القرار) الحائر والمنقسم بين "الرفض" و"القبول"، بين "القلق" والثقة"، بين "الأنانية "و "العطاء"..أدخل في "رجاء سمعان" الذي رأى الخلاص" وفي "هاءنذا" مريم .. أطلب من الطفل " الإله الحق والإنسان الحق" أن ينير حرّيتي لتجرؤ على اختيار الإلتزام "بمغامرة الحبّ" الغير مشروط معه..
الثلاثاء 31 كانون الأوّل 2013 .
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
مريم يوسف الطفل الحمار..لوحة حيّة لقرار سريع يجب إتخاذه.. أُحاول أن أتخيّل ما عاشه يوسف في هذه اللحظات التي سبقت قراره..يعود بأفكاره إلى الوراء.. قبلت بخطيبتي حبلى..قبلت بولادة في مزود..والآن أنا أمام ولادة تزعزع عرش الملك وسلطته..مطلوب مني مغامرة جديدة..ملاك الربّ يريه الطريق الذي يجب إتباعه..ماذا يفعل؟ ينسى ما وراءه ويصبو إلى ما هو أمامه..يأخذ عصا إبراهيم ويسرع نحو الهدف..أتخيّل نظرة مريم في هذه الأثناء.. ترى مصر ، النفي، المجهول.. كالعادة لا تفهم كلّ شيء، ولكن تعلم أن لا شيء مستحيل لدى الله..ربما تذكرّت كلمات سمعان الشيخ لها..أما الطفل أراه بدأ درب الصليب..أقرأ فيه رجاء العالم الذي سيبنى ليس على القوّة ولا على الغنى ولا على العلم إنما على الفقر والضعف والبراءة..ربّما الحمار في كلّ هذا يقول : " لا تفقد شجاعتك"..أمكث مع هذه العائلة المقدّسة الملتزمة "بمغامرة الإيمان" آملاً الدخول في حركة قرارها واختياره كهدفٍ لي..
النقطة الثانية :
أطفال لا ذنب لهم يقتلون..واقع هذا النص ما زال يتكرر..أسمع صرخة الألم عبر الأجيال أمام كلّ ظلم خاصة "لمن ليس له ذنب"..أشعر بحرقة السؤال المستمر: لماذا ؟؟ أمام هذا الواقع المثير للغضب والرفض والثورة.. أمن جواب شافٍ ووافٍ لهذه الحقيقة المروعة المنافية للعقل والقلب والإنسانية؟ أعود للإنجيل..أرى كيف يسوع نفسه عجز عن إعطاء جواب يرضي المنطق..لا جواب تعزية سوى " للقلب " الذي يختار أن يحارب الشر"بالشركة الأخوية" حيث يكون حاضراً بالحب .. لا جواب تعزية إلا "بالمشاركة في مشروع الله الخلاصي"، حيث أختبر " أن مصر أرض النفي والقهر والعبودية تصبح نفسها أرض الخلاص وانطلاقة الحياة"..وهذا ما اختاره يوسف..أقوم مع يوسف محاولاً أن أعي مثله بأنّ الله يكلّمني غالباً من خلال أحداث الحياة..أصغي إليها "آخذاً معي الأم وطفلها" عالماً بأن الله قريب مني ، يقويني، ويدعوني لأسيرمعه دون خوف من الظلمات التي تمرّ في حياتي ومن حولي..
النقطة الثالثة :
أنظر إلى إنسانيتي المحدودة..أبحث عن القوى التي تحرّكها وتنميّها في مسيرة وجودها..أجدها في هذه الأبعاد الثلاث " ماذا أُريد؟" " ماذا يمكنني أن أفعل؟" "ما هو الفروض عليّ تحقيقه؟"أحاول قراءتها في موقفي يوسف وهيرودس..أرى كيف أنّ كلّ همّ هيرودس هو أن يبقى الملك.. ليكفل ذلك يستعمل سلطته بدون حدود، وبدون أدنى إحترام لما يفرضه على الآخرين.. ثمرة هذا الإنغلاق على ما يرغبه : مجزرة..أنتقل إلى طاعة يوسف..أكتشف كيف أنها أتت نتيجة تناغم وتزامن "ما فرض عليه" مع " ما يريده"، فأتاحت له الفرصة لرؤية الوضع بمنظار جديد مع عدّة احتمالات لحلول ممكنة..أستنتج بأن الحياة الحقّة متوقفة على حركة التناغم والمصالحة بين "ما أُريد" وما هو "مفروض عليّ"..وأشاهد كيف أن اختيار هذا الطريق يؤدي في أغلب الأحيان إلى الجلجلة.. لكن أيضاً إلى الحياة الحقيقية التي تسمح لكلّ إنسان أن يحقق ذاته بما يستطيع إنجازه..أشعر بالربّ يدعوني لاختيار الحياة الحقيقية ومشاركته في تحقيق ملكوته في القلوب..
الأربعاء 1 كانون الثاني 2013
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
"ألشعب السائر في الظلمة"..أجلس أمام المغارة .. أحاول أن أعيش في ظلمة شعب ذلك الوقت.. أشعربخيبة أملهم من ملكهم الضعيف .. بخوفهم من اجتياح الملك الأشوري لأرضهم واحتلاله السامرة.. بغضبهم لحلول الغرباء في "بيوتهم ".. بأزمتهم وجفافهم الروحي..أتلمّس إنتظاراتهم في واقعهم المؤلم..أشاهد رجاء أشعيا "هنا والآن أشرق عليهم نور".. أتحد بانتظاراتهم ورجائهم طالباً من "طفل المغارة" أن يشرق نور إرادته على ظلماتي...
النقطة الثانية :
أعاود الدخول في مشاعر الخوف، والغضب، والحزن .. أشعر بالضعف الذي يلف نفس من يقع بشباكه..أصغي إليه.. أرى حاجته إلى "قوّة" تغلبه..أشاهد "القوّة" التي يقترحها أشعيا لمثل هذه الحالة : "ولد لنا ولد" ..أسمع منطق العالم وردّة فعله المرتقبة : "الولد" "الطفل" هو الضعف الأكبر، هو الفقير المرتهن المحتاج الدائم إلى المساعدة، فكيف له أن يكون "القوّة " التي "ستكثِّر الفرح ؟ أخرج من منطق العالم وأدخل في سرّ تجسُد المسيح الذي جعل نفسه "صغيراً""ضعيفاً" ليسمح لكلّ من يطلبه أن يُدرِكه..أناجي الربّ أن يهبني عمق إدراك حكمته..
النقطة الثالثة :
أنتقل بذاكرتي إلى احتفال "تتويج ملك جديد"..ملك آتٍ بعد ويلات حروب دامية..أشعر بكلّ الآمال التي تتجه نحوه، لكي يوطّد عرشه وملكه " بالحق والعدل".أرى كيف النبي يضع ثقته فيه ويعتبره أداة خلاص الله الوحيدة المعطاة لشعب يهوذا ومملكة الشمال..أسمعه يتحدّث عن صفاته.. أتأمّل في ألقابه : هو منحدرُ من أصلٍ ملكيّ، يمتاز بجرأته، يتّصف بحكمة سليمان، ويتسم بشجاعة وتقوى داود وتصحبه فضائل كبرى كموسى والأنبياء..أتخيّل ما يمكن أن تحدث هذه الصفات والألقاب الملكية من تغيُّرات جذرية في حياة شعب الله..أدعو الربّ إلى واقعي كما هو..أعبِّر له عن رغبتي "بتتويجه ملكاً جديداً" في هذه المرحلة من تاريخي ..وأساله أن يطبعني بصفات " الإبن الذي أُعطِيَ لنا"..
الخميس 2 كانون الثاني 2013
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
أشاهد صعود اليهود إلى اورشليم..أراهم يحجّون من كلّ أقطار البلاد ليحتفلوا بعيد الفصح.. أسمعهم ينشدون المزامير ويهللون فرحاً بخلاص الربّ..أجدهم يعجون في الطرقات، يبيتون أينما كان وكيفما تسنح لهم الفرصة..ألتحق بالموكب الآتي من الجليل.. من الناصرة بالتحديد..أقترب من عائلة "إبن الله" الأرضية..أدخل بحوار معها..أتأمّل بأمانتها لإلتزاماتها الروحية: "كلّ سنة كانا يذهبان إلى اورشليم في عيد الفصح.."أشعر بتفاعل وانعكاس النعمة الإلهية الثالوثية على حياتها..أتذوّق إيمانها، صدق عبادتها وخدمتها..أسأل العائلة المقدسة أن ترشدني إلى الطريقة التي عليّ إتّباعها لكي أتلمّس حضور الثالوث الأقدس، وأنفتح على عمله الخلاصي، وأشهد له..
النقطة الثانية :
"بلغ يسوع إثنتي عشرة سنة" . إنه عمر الإلتزام بالشريعة وتحمّل المسؤوليات بحسب التقاليد اليهودية..أرى يسوع "جالسا بين المعلّمين يستمع إليهم ويسألهم"ً.. أصغي إلى تنويه العلماء بذكائه وجواباته..أتخيّل ما يمكن أن يكون شعوره "كصبيّ" في هذا الوقت..أتذوّق تساميه "في الحكمة والقامة والحظوة عند الله أبيه والناس.." أتلمّس وجودي معه لأسأله أن "يهبني على مقدار سعة مجده، أن أشتدّ بروحه، وأن يقيم في قلبي بالإيمان، لكي أتأصّل في المحبّة، فأُدرك ما هو العرض والطول والعلو والعمق، وأمتلىء بكلّ ما في الله من كمال.."(أفسس 3\ 16)
النقطة الثالثة :
أقف مع يوسف ومريم أمام يسوع.. أتذكّر أن بحثهم دام ثلاثة أيام..أتخيّل ما كان وضعهم كأهل في تلك الأثناء..أشعر بقلقهم وغيظهم ولهفتهم لإيجاده..أسمع مريم تسأله "لم صنعت بنا ذلك؟"..أراها تحاول أن تعتمد تربية إبنها بحبِّها البشري الممزوج بالنعمة الإلهية..أتأمّل موقفهما الثابت في هذا الظرف كما في كلّ الظروف : فبالرغم من أنهما " لم يفهما ما قال لهما" فإنّهما مستمران في حالة الإصغاء والقبول بتواضع "لمغامرة الله في حياتهما"..أستنشق موقفهما الذي لم يبحث يوماً عن "الخارق والإستثنائي" لكي يجد الإيمان ..أتلمّس إستعدادهما الدائم للمضيّ في "عمل الله الإستثنائي" في حياتهما وفي العالم..أتذوّق كلام يسوع الذي يؤكد أن من يبحث عنه سيجده "كائنا عند أبيه".. أدخل في استعداد مريم لأن "تحفظ كلّ هذا في قلبها" طالباً نعمة الشوق الدائم لمعرفة يسوع في كيان أبيه ..
الجمعة 3 كانون الثاني 2013
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
أقترب مع الرسل من يسوع..أسير معهم إلى الجبل .. أشعر بتوقهم للحقائق السماوية، لِمَ هو أبعد من هالة العجائب وتأثيراتها.. أصغي معهم إلى التطويبات.. أرى فيها سيرة يسوع الذاتية..أتلمّس فيها معنى الكون وأسراره..أشاهد الربّ يجذب أصدقاءه إلى حقائق جديدة.. أتذوّق كلماته، أحاول سبرغورمعانيها آملاً أن أجد فيها "الطوبى"المتجلية في الإبن ، فتدفعني لأن أتبعه وأتشبّه به في خدمة الإخرين ..
النقطة الثانية :
أجد في "ألتطويبات " دعوة إلى الفرح والإبتهاج..أحاول أن أفهم أي فرحٍ بالتحديد يسّلط يسوع الضوء عليه..أتلمّس معرفة أبعاد هذا الإعلان..أراه بعيداً عن مفهوم فرح العالم الذي يؤكد أن السعادة هي في الحصول على كل ما أرغب فيه أو في القناعة بمَ لدي ..أشعر بتقديمه لي فرح "آنيّ" لا أحد أو لا شيء يستطيع أن يسلبه مني..أتذوّق ذاك الفرح الذي يعكس تجربة يسوع في واقعه الإنساني..أسمعه يدعوني لاختبار هذه التجربة المبنية على أمانة الآب..أتلمّس التتلمذ على يده طالبا الدخول في مدرسة فرح الإبن الحبيب..
النقطة الثالثة :
أعيد قراءة التطويبات كرسالة مسيحانية تعليمية.. أشعر بها تغيّر طريقة تفكيري وعملي.. أتلمّس فيها رجاء الملكوت الذي بدأ ولكن لم يتمّ تحقيقه بعد.. أشاهد "فقير الروح" القادر على الخروج من قوقعة "ما يغنيه" لينفتح إلى مواعيد الحياة الآتية..أسمع "الساعين إلى السلام" ينادون بالسلام ويصنعونه..أستنشق عطر "الرحمة" المنبعثة ممن يرحمون..أتذوّق أعمال "أنقياء القلوب" التي تتسم بالعدل والخير والسيرة الصالحة..أدخل في ثبات وأمانة "المضطهدين لأجل يسوع" في شتى الظروف.. أرجو مشاركة المسيح آلامه الخلاصية وفرح قيامته في سبيل تحقيق "ملكوت الآب".
حياة يسوع الخفيّة هي حياة بشريّة عاديّة مثل حياة أَيْ إنسان. هذه الحياة، الّتي نعتبرها تافهة، عاشها يسوع بملئِها. عندما علّم تلاميذه التطويبات كان يعلّمهم عن حياته إذ كان هو أيضًا فقيرًا بالروح، ينتظر كلّ شيء من الآب. كان رحومًا، عاش الرحمة في داخله عندما عاين الظلم من حوله. كان أيضًا وديعًا، يرث الأرض ولا يغتصبها مثل الإنسان العنيف بل الوديع. عاش يسوع كلّ هذه التطويبات.نقاط تساعد للتأمّل
الإثنين 30 كانون الأول 2013.
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
أنا في أورشليم .. بالتحديد عند أبواب الهيكل.. الجموع بانشغال مستمر ذهاباً وإياباً .. يلفت إنتباهي من بين كلّ هذه الحشود مجيء تلك العائلة الصغيرة حيث الأم تغمر مولوداً بين ذراعيها " تقدمة العالم"، والرجل يحمل فرخي حمام "تقدمة الفقراء"..أتبعهما عن قرب إلى داخل الهيكل ..أرى شيخاً تشعَ منه التقوى..أشعر بروح الله الساكن فيه الذي يدفعه للقاء مريم ويوسف والطفل..أصغي بصمت قلبي إلى كلمات سمعان وأحاول ان أجد لها صدى في عمق رغبتي بأن "ألقى يسوع لأعرفه معرفة باطنية وأحبّه وألتزم به"...
النقطة الثانية :
أجد بسمعان الشيخ رمز "العهد القديم"..وبمجيء مريم ويوسف من الناصرة إلى أورشليم – كلّ هذه المسافة – ليؤديا ما تفرضه شريعة موسى رمز "لكلّ الطقوس والممارسات والروتين التُقوي "..أشاهد "الطفل " ينتقل من حضن الأم لذراعي الشيخ ..أرى في هذه الحركة "العهد القديم" يستقبل "العهد الجديد".. أشاهد فيها أمانة الله ووفاءه لوعده الذي بدأ مع إبراهيم ..أدخل إلى عمق تاريخي..أبحث عن مشاعر وأحاسيس تكبّلها "عهود قديمة"، وعن "مشاعر روحية مخنوقة بممارسات وشعائر " فقدت "طعم الروح ونفحته فيها"..أدعو الطفل المخلص "إلى حضن هذه المشاعر" وأدعه يقودها بنور روحه ..
النقطة الثالثة :
"نوراً يتجلى للوثنيين ومجدا لشعبك إسرائيل" أتخيّل ما هي "تأثيرات النور عامة" في العالم.. ألمس أهميّته خاصة عند حلول الظلام..أنظر إلى ميزته الخاصة ألا وهي "الشمولية" "الفصل" "والتمييز".. أدع هذا النور يخرق عمق ذاتي..أتحسس عمله فيّ ..أراه يكشف لي عن مكنونات "قلبي (هنا بمعنى القلب مركز القرار) الحائر والمنقسم بين "الرفض" و"القبول"، بين "القلق" والثقة"، بين "الأنانية "و "العطاء"..أدخل في "رجاء سمعان" الذي رأى الخلاص" وفي "هاءنذا" مريم .. أطلب من الطفل " الإله الحق والإنسان الحق" أن ينير حرّيتي لتجرؤ على اختيار الإلتزام "بمغامرة الحبّ" الغير مشروط معه..
الثلاثاء 31 كانون الأوّل 2013 .
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
مريم يوسف الطفل الحمار..لوحة حيّة لقرار سريع يجب إتخاذه.. أُحاول أن أتخيّل ما عاشه يوسف في هذه اللحظات التي سبقت قراره..يعود بأفكاره إلى الوراء.. قبلت بخطيبتي حبلى..قبلت بولادة في مزود..والآن أنا أمام ولادة تزعزع عرش الملك وسلطته..مطلوب مني مغامرة جديدة..ملاك الربّ يريه الطريق الذي يجب إتباعه..ماذا يفعل؟ ينسى ما وراءه ويصبو إلى ما هو أمامه..يأخذ عصا إبراهيم ويسرع نحو الهدف..أتخيّل نظرة مريم في هذه الأثناء.. ترى مصر ، النفي، المجهول.. كالعادة لا تفهم كلّ شيء، ولكن تعلم أن لا شيء مستحيل لدى الله..ربما تذكرّت كلمات سمعان الشيخ لها..أما الطفل أراه بدأ درب الصليب..أقرأ فيه رجاء العالم الذي سيبنى ليس على القوّة ولا على الغنى ولا على العلم إنما على الفقر والضعف والبراءة..ربّما الحمار في كلّ هذا يقول : " لا تفقد شجاعتك"..أمكث مع هذه العائلة المقدّسة الملتزمة "بمغامرة الإيمان" آملاً الدخول في حركة قرارها واختياره كهدفٍ لي..
النقطة الثانية :
أطفال لا ذنب لهم يقتلون..واقع هذا النص ما زال يتكرر..أسمع صرخة الألم عبر الأجيال أمام كلّ ظلم خاصة "لمن ليس له ذنب"..أشعر بحرقة السؤال المستمر: لماذا ؟؟ أمام هذا الواقع المثير للغضب والرفض والثورة.. أمن جواب شافٍ ووافٍ لهذه الحقيقة المروعة المنافية للعقل والقلب والإنسانية؟ أعود للإنجيل..أرى كيف يسوع نفسه عجز عن إعطاء جواب يرضي المنطق..لا جواب تعزية سوى " للقلب " الذي يختار أن يحارب الشر"بالشركة الأخوية" حيث يكون حاضراً بالحب .. لا جواب تعزية إلا "بالمشاركة في مشروع الله الخلاصي"، حيث أختبر " أن مصر أرض النفي والقهر والعبودية تصبح نفسها أرض الخلاص وانطلاقة الحياة"..وهذا ما اختاره يوسف..أقوم مع يوسف محاولاً أن أعي مثله بأنّ الله يكلّمني غالباً من خلال أحداث الحياة..أصغي إليها "آخذاً معي الأم وطفلها" عالماً بأن الله قريب مني ، يقويني، ويدعوني لأسيرمعه دون خوف من الظلمات التي تمرّ في حياتي ومن حولي..
النقطة الثالثة :
أنظر إلى إنسانيتي المحدودة..أبحث عن القوى التي تحرّكها وتنميّها في مسيرة وجودها..أجدها في هذه الأبعاد الثلاث " ماذا أُريد؟" " ماذا يمكنني أن أفعل؟" "ما هو الفروض عليّ تحقيقه؟"أحاول قراءتها في موقفي يوسف وهيرودس..أرى كيف أنّ كلّ همّ هيرودس هو أن يبقى الملك.. ليكفل ذلك يستعمل سلطته بدون حدود، وبدون أدنى إحترام لما يفرضه على الآخرين.. ثمرة هذا الإنغلاق على ما يرغبه : مجزرة..أنتقل إلى طاعة يوسف..أكتشف كيف أنها أتت نتيجة تناغم وتزامن "ما فرض عليه" مع " ما يريده"، فأتاحت له الفرصة لرؤية الوضع بمنظار جديد مع عدّة احتمالات لحلول ممكنة..أستنتج بأن الحياة الحقّة متوقفة على حركة التناغم والمصالحة بين "ما أُريد" وما هو "مفروض عليّ"..وأشاهد كيف أن اختيار هذا الطريق يؤدي في أغلب الأحيان إلى الجلجلة.. لكن أيضاً إلى الحياة الحقيقية التي تسمح لكلّ إنسان أن يحقق ذاته بما يستطيع إنجازه..أشعر بالربّ يدعوني لاختيار الحياة الحقيقية ومشاركته في تحقيق ملكوته في القلوب..
الأربعاء 1 كانون الثاني 2013
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
"ألشعب السائر في الظلمة"..أجلس أمام المغارة .. أحاول أن أعيش في ظلمة شعب ذلك الوقت.. أشعربخيبة أملهم من ملكهم الضعيف .. بخوفهم من اجتياح الملك الأشوري لأرضهم واحتلاله السامرة.. بغضبهم لحلول الغرباء في "بيوتهم ".. بأزمتهم وجفافهم الروحي..أتلمّس إنتظاراتهم في واقعهم المؤلم..أشاهد رجاء أشعيا "هنا والآن أشرق عليهم نور".. أتحد بانتظاراتهم ورجائهم طالباً من "طفل المغارة" أن يشرق نور إرادته على ظلماتي...
النقطة الثانية :
أعاود الدخول في مشاعر الخوف، والغضب، والحزن .. أشعر بالضعف الذي يلف نفس من يقع بشباكه..أصغي إليه.. أرى حاجته إلى "قوّة" تغلبه..أشاهد "القوّة" التي يقترحها أشعيا لمثل هذه الحالة : "ولد لنا ولد" ..أسمع منطق العالم وردّة فعله المرتقبة : "الولد" "الطفل" هو الضعف الأكبر، هو الفقير المرتهن المحتاج الدائم إلى المساعدة، فكيف له أن يكون "القوّة " التي "ستكثِّر الفرح ؟ أخرج من منطق العالم وأدخل في سرّ تجسُد المسيح الذي جعل نفسه "صغيراً""ضعيفاً" ليسمح لكلّ من يطلبه أن يُدرِكه..أناجي الربّ أن يهبني عمق إدراك حكمته..
النقطة الثالثة :
أنتقل بذاكرتي إلى احتفال "تتويج ملك جديد"..ملك آتٍ بعد ويلات حروب دامية..أشعر بكلّ الآمال التي تتجه نحوه، لكي يوطّد عرشه وملكه " بالحق والعدل".أرى كيف النبي يضع ثقته فيه ويعتبره أداة خلاص الله الوحيدة المعطاة لشعب يهوذا ومملكة الشمال..أسمعه يتحدّث عن صفاته.. أتأمّل في ألقابه : هو منحدرُ من أصلٍ ملكيّ، يمتاز بجرأته، يتّصف بحكمة سليمان، ويتسم بشجاعة وتقوى داود وتصحبه فضائل كبرى كموسى والأنبياء..أتخيّل ما يمكن أن تحدث هذه الصفات والألقاب الملكية من تغيُّرات جذرية في حياة شعب الله..أدعو الربّ إلى واقعي كما هو..أعبِّر له عن رغبتي "بتتويجه ملكاً جديداً" في هذه المرحلة من تاريخي ..وأساله أن يطبعني بصفات " الإبن الذي أُعطِيَ لنا"..
الخميس 2 كانون الثاني 2013
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
أشاهد صعود اليهود إلى اورشليم..أراهم يحجّون من كلّ أقطار البلاد ليحتفلوا بعيد الفصح.. أسمعهم ينشدون المزامير ويهللون فرحاً بخلاص الربّ..أجدهم يعجون في الطرقات، يبيتون أينما كان وكيفما تسنح لهم الفرصة..ألتحق بالموكب الآتي من الجليل.. من الناصرة بالتحديد..أقترب من عائلة "إبن الله" الأرضية..أدخل بحوار معها..أتأمّل بأمانتها لإلتزاماتها الروحية: "كلّ سنة كانا يذهبان إلى اورشليم في عيد الفصح.."أشعر بتفاعل وانعكاس النعمة الإلهية الثالوثية على حياتها..أتذوّق إيمانها، صدق عبادتها وخدمتها..أسأل العائلة المقدسة أن ترشدني إلى الطريقة التي عليّ إتّباعها لكي أتلمّس حضور الثالوث الأقدس، وأنفتح على عمله الخلاصي، وأشهد له..
النقطة الثانية :
"بلغ يسوع إثنتي عشرة سنة" . إنه عمر الإلتزام بالشريعة وتحمّل المسؤوليات بحسب التقاليد اليهودية..أرى يسوع "جالسا بين المعلّمين يستمع إليهم ويسألهم"ً.. أصغي إلى تنويه العلماء بذكائه وجواباته..أتخيّل ما يمكن أن يكون شعوره "كصبيّ" في هذا الوقت..أتذوّق تساميه "في الحكمة والقامة والحظوة عند الله أبيه والناس.." أتلمّس وجودي معه لأسأله أن "يهبني على مقدار سعة مجده، أن أشتدّ بروحه، وأن يقيم في قلبي بالإيمان، لكي أتأصّل في المحبّة، فأُدرك ما هو العرض والطول والعلو والعمق، وأمتلىء بكلّ ما في الله من كمال.."(أفسس 3\ 16)
النقطة الثالثة :
أقف مع يوسف ومريم أمام يسوع.. أتذكّر أن بحثهم دام ثلاثة أيام..أتخيّل ما كان وضعهم كأهل في تلك الأثناء..أشعر بقلقهم وغيظهم ولهفتهم لإيجاده..أسمع مريم تسأله "لم صنعت بنا ذلك؟"..أراها تحاول أن تعتمد تربية إبنها بحبِّها البشري الممزوج بالنعمة الإلهية..أتأمّل موقفهما الثابت في هذا الظرف كما في كلّ الظروف : فبالرغم من أنهما " لم يفهما ما قال لهما" فإنّهما مستمران في حالة الإصغاء والقبول بتواضع "لمغامرة الله في حياتهما"..أستنشق موقفهما الذي لم يبحث يوماً عن "الخارق والإستثنائي" لكي يجد الإيمان ..أتلمّس إستعدادهما الدائم للمضيّ في "عمل الله الإستثنائي" في حياتهما وفي العالم..أتذوّق كلام يسوع الذي يؤكد أن من يبحث عنه سيجده "كائنا عند أبيه".. أدخل في استعداد مريم لأن "تحفظ كلّ هذا في قلبها" طالباً نعمة الشوق الدائم لمعرفة يسوع في كيان أبيه ..
الجمعة 3 كانون الثاني 2013
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
أقترب مع الرسل من يسوع..أسير معهم إلى الجبل .. أشعر بتوقهم للحقائق السماوية، لِمَ هو أبعد من هالة العجائب وتأثيراتها.. أصغي معهم إلى التطويبات.. أرى فيها سيرة يسوع الذاتية..أتلمّس فيها معنى الكون وأسراره..أشاهد الربّ يجذب أصدقاءه إلى حقائق جديدة.. أتذوّق كلماته، أحاول سبرغورمعانيها آملاً أن أجد فيها "الطوبى"المتجلية في الإبن ، فتدفعني لأن أتبعه وأتشبّه به في خدمة الإخرين ..
النقطة الثانية :
أجد في "ألتطويبات " دعوة إلى الفرح والإبتهاج..أحاول أن أفهم أي فرحٍ بالتحديد يسّلط يسوع الضوء عليه..أتلمّس معرفة أبعاد هذا الإعلان..أراه بعيداً عن مفهوم فرح العالم الذي يؤكد أن السعادة هي في الحصول على كل ما أرغب فيه أو في القناعة بمَ لدي ..أشعر بتقديمه لي فرح "آنيّ" لا أحد أو لا شيء يستطيع أن يسلبه مني..أتذوّق ذاك الفرح الذي يعكس تجربة يسوع في واقعه الإنساني..أسمعه يدعوني لاختبار هذه التجربة المبنية على أمانة الآب..أتلمّس التتلمذ على يده طالبا الدخول في مدرسة فرح الإبن الحبيب..
النقطة الثالثة :
أعيد قراءة التطويبات كرسالة مسيحانية تعليمية.. أشعر بها تغيّر طريقة تفكيري وعملي.. أتلمّس فيها رجاء الملكوت الذي بدأ ولكن لم يتمّ تحقيقه بعد.. أشاهد "فقير الروح" القادر على الخروج من قوقعة "ما يغنيه" لينفتح إلى مواعيد الحياة الآتية..أسمع "الساعين إلى السلام" ينادون بالسلام ويصنعونه..أستنشق عطر "الرحمة" المنبعثة ممن يرحمون..أتذوّق أعمال "أنقياء القلوب" التي تتسم بالعدل والخير والسيرة الصالحة..أدخل في ثبات وأمانة "المضطهدين لأجل يسوع" في شتى الظروف.. أرجو مشاركة المسيح آلامه الخلاصية وفرح قيامته في سبيل تحقيق "ملكوت الآب".
حديث رقم 13
حين التزمنا بالرياضة الروحيّة، أردنا أن ندخل فيها بسخاء عظيم وهمّة واسعة. واتّفقنا على أنّ السخاء العظيم هو قبول لظروف رياضتي، الداخليّة منها والخارجيّة، لأنّي أومن أنّ الله يرغب في رياضتي أكثر منّي، ويعلم كيف يصل إليّ مهما كانت الظروف. بالمقابل، أظهر رغبتي أنا بأن لا أتخاذل بل أسعى أن أقرأ في حياتي آثار عمل الله لأزداد فهمًا، فأزداد شكرًا، فأزداد حبًّا، فأكون... كما دعاني الله! وأومن أنّ الله يرغب في رياضتي أكثر منّي لأنّه دعاني إلى أن أكون إذ كنتُ عدمًا، فكم بالحري الآن وأنا رغبة؟ (ما أقول هو تأمّل في روم ٥\١-١١).
من ظروف الرياضة الداخليّة الانقباض الّذي قد أشعر به في هذه المرحلة... ربّما يستفيد البعض من التأمّل أربعة أيّام بدل السبعة. أستفيد خصوصًا من إدخال تعديلات في حياتي: الوقت الّذي أقضيه أمام التلفزيون، الأوقات الاجتماعيّة...
ظروف الرياضة الخارجيّة أتعلّم أن أستقبلها بلا غضب ولا شكوى. أفكّر في طريق يسوع: من خلال الظروف الخارجيّة قصّة أُخرى تُروى: قصّة تدبير الله الّذي يستخرج المعنى ممّا لا معنى له.
في الرياضة، نحن في مرحلة اختيار. أي يسكننا سؤال: كيف أتصرّف بحياتي لتكون أكثر في خدمة رسالة المسيح؟ يجب الانتباه إلى أنّ من يطرح هذا السؤال هو الّذي اختبر في المرحلة السابقة أنّ إرادة الله في شأنه هي خلاصه. الله يريد شيئًا واحدًا: "كن"، ولكي يتحقّق ما يريده يكشف عن ذاته: "أريدك، أحبّك"، ويكشف عن قدرته على الخلق بأن يظهر لنا قدرته على الغفران. من اختبر مجّانيّة الغفران، يفهم مجّانيّة الخلق ويصير خليقة جديدة، قادرة على الحبّ، وعالمة أنّها لا تزال "قيد الخلق"، أي أنّها لا تزال معرّضة لأن تشتهي العدم وتنفر من الكلمة الخالقة. بعرفان الجميل يلتفت الخاطئ المغفور له إلى مخلّصه ويطلب – بمجّانيّة، بدون فرض ولا إلزام – أن يستخدم المخلّص حياته لتتميم تدبيره الخلاصيّ. ليس كلّ من يخلص يطلب هذا. فالبعض يقول لهم الربّ "إيمانك خلّصك. اذهب بسلام." وللبعض يقول: "اتبعني". نعم، لله إرادة في حياتي، هي خلاصي، هي تحرّري من المشاريع الّتي وقعت عليّ أو أوقعتها على نفسي. ولكن من حرّره الله يكتشف قلب الله، أي تدبيره، وقد يرغب في أن يضع نفسه في خدمة هذا التدبير. عندها تظهر إرادة الله بشكل أكثر تحديدًا. من يقول لله: "تصرّف بي كما تشاء" يرى الله يتصرّف به كما يشاء. عندها نقول: إرادة الله أن أكون هنا أو هناك، أن أتصرّف كذا أو كذا. والله يكشف عن إرادته بأن يدفع رغباتي في اتّجاه إرادته. وكأنّ شوقي الأعمق هو نداء الله لي، ويتجسّد في قرار أو قرارات ملموسة... هذا النداء الإلهيّ هو نفسه "كن"، يناديني باسمي الّذي يكشفه لي، لأنّ اسمي هو حيث تتحقّق دعوتي. الاسم هو ما ينادوني به. اسمي أمام الله هو ما يناديني به وإليه.
(يجب أن نتجنّب العلاقة الصنميّة بإرادة الله، كما لو أنّ لله إرادة على حياتي مستقلّة عن مسيرتي... كما لو أنّ من قال لي منذ الأزل "كن" يقول لي الآن "كن شيئًا". بإرادته يخلقني الله ويجعلني حرًّا أي شريكًا في خلق نفسي والعالم. والحرّيّة هي دائمًا صراع، صراع ضدّ الكلمات الّتي تريد سجني في هويّة ما: كن كذا أو كن كذا، وأيضًا صراع ضدّ الذات، لئلاّ يمنعني خوفي أم تفاهتي أم يأسي من البلوغ إلى اسمي... وفي هذا الصراع مع الذات ومع صور كاذبة عن الله يمكن أن تشبه مسيرتي صراعًا بين إرادتي وإرادة الله... وتكتمل حرّيّتي في كلمة "إرادتك لا إرادتي").
كيف أكتشف "اسمي"، أو دعوتي؟ كيف أختبر إرادة الله تدخل في رغباتي؟ كيف آخذ القرار المناسب في حياتي؟ إلى حدّ ما تكفي رغبتي في أن يتصرّف بي الربّ حتّى أصل شيئًا فشيئًا إلى اسمي. وفي الواقع ما الرياضة إلاّ تعبير عن هذه الرغبة. ما الرياضة إلاّ التأهّب لنعمة الله الّتي تقودني إلى اكتمالي. هذه الرغبة، كلّما اشتدّت، والظروف الّتي أحيا فيها واقعيًّا، تصير "الطريق"، طريقي أنا كما هي طريق يسوع إليّ ومن خلالي. فالظروف الّتي لم نكن نهتمّ لها سابقًا لأنّها لا تحدّد علاقتي بخالقي – وهي العلاقة الأساسيّة، المبدأ والأساس في حياتي – هذه الظروف تصير اليوم مثل كلمات الكتاب المقدّس، تحتاج إلى قراءة، إلى تمييز "علامات الأزمنة" لأرى بشكل أوضح كيف أن الله يقود الأزمنة إلى اكتمالها، ليجمع كلّ شيء تحت رأس واحد هو المسيح (أفسس ١: 1٠). والرياضة هي قراءة وتمييز، هي فهم لسرّ حياتي على ضوء سرّ حياة المسيح. إن تآلفي مع حياة يسوع يصير لي وعيًا جديدًا، حدسًا، حاسّة إضافيّة، تستقبل لمسات الله وتفهم إلى أين تقودني، لا معرفة "علميّة"، بل معرفة إيمانيّة ووجوديّة، أي غير مستقلّة عن حرّيّتي ورغبتي.
في الرياضة نصل إلى هذا الوعي عن طريق ثلاثة معطيات: حياة يسوع، تمييز الأرواح، ظروف حياتي.
- حياة يسوع: يسوع هو الاسم الّذي يحتوي أسماءنا: "أنت ابني الحبيب" الّذي تقال في الابن منذ الأزل، وعلى يسوع في داخل الزمن، هي الّتي تُقال فينا بحسب تدبير الآب. الله يُظهر فينا الابن، الّذي به ونحوه ولأجله خُلقنا وبه تثبت حياتنا، فيصير ابن الله الوحيد بكرًا لإخوة كثيرين. يسوع هو إرادة الله وقد ظهرت إنسانًا. مشاهدة أسرار حياته تدوزننا على موجة الله. المطلوب لا التوقّف عند ما أراه بل الانخراط إلى دوافع قلبه، وانعكاس ذلك على دوافع قلبي أنا. ما نبحث عنه هو "الوقوع في الحبّ" عن طريق تعوّد الحضور أمام المسيح. "طريق" يسوع هو الّذي قاده إليّ ليخلّصني، وهو الّذي يكشف لي أنا أيضًا طريقي إلى الآب. يسوع هو " الطريق".
- تمييز الأرواح: التمارين تترك آثارًا في مشاعرنا. من خلال هذه المشاعر تتعلّق قلوبنا وبالتالي طاقاتنا الحيويّة بطموحات أو مشاريع، تكشف لنا رغباتنا العميقة. وحين نقرأ هذه الرغبات نفهم بوضوح متزايد مكان فرحنا، أي تعزيتنا المستمرّة. فالتعزية، أو الانبساط، هو أساسًا صوت الآب الّذي ينادينا بالاسم. ولكيلا نخلط الأصوات والآباء، نتعلّم كيف يمكن لقلوبنا أن تنغشّ بالتعزيات الكاذبة الّتي لا تقود إلى الفرح. يسوع هو "الحقّ".
- ظروف حياتي: ظروف حياتي الواقعيّة هي المادّة الأوّليّة الّتي منها تظهر بنوّتي لله. الواقع هو، مثل جسد والدة الإله، حاملٌ بالابن الّذي يجعل منّي أنا أيضًا ابن الله أو بنت الله. في قراءتي لظروف حياتي، أرى وأقرأ عمل الله وكلماته، كما أقرأ أشكال وأنواع التجارب الّتي تحاول أن تغشّني. أضع ثقتي في التدبير الإلهيّ الّذي يعرف كيف يقود كلّ شيء ويعمل معي في كلّ شيء لما فيه خيري (روما 8: 28). ثمّ أتساءل: ما الّذي يجب قبوله كما هو في حياتي وما الّذي يجب العمل على تغييره؟ هل أنا أمام قرار قاطع وحاسم أم أنا أمام انتظار صبور ونموّ بطيء؟ لا شكّ في أنّ قراءتنا ستكون متأثّرة جدًّا بعوامل نفسيّة وثقافيّة متعدّدة، وهذه العوامل جزء من الظروف الّتي بها يعمل الله عمل خلقه. فلا أقلق، بل أبحث ببساطة عن الاختيارات الّتي في متناول يدي، وأحاول أن أقوم باختياراتي بحسب رغبتي في خدمة الربّ، عالمًا أنّي لستُ وحدي في هذا العمل، بل الله معي. يسوع هو "الحياة".
ينصح القدّيس اغناطيوس، قبل البدء بإنجيل الإثنين، أن نتخايل يسوع يودّع أمّه مريم. ونراه بعدها يأتي إلى يوحنّا ليعتمد. يُرينا نصّ الثلاثاء أنّ الروح قاد يسوع إلى البريّة. يريد الروح أن نواجه التجارب ولهذا نعيش الانقباض في الوقت الحالي وخاصةً بعد فعل التوبة الّذي قمنا به. سنكتشف أيضًا أنّ الشرّير ماكر وليس فقط مزعج في الانقباض الّذي يسبّبه. يُعطيني مثلاً فكرًا في أنّه يجب على حياتي أن تتغيّر بعد ١٣ أسبوع من الرياضة. طريقة الله هي أن يمشي في الزمن معنا ويعطينا الانبساط في وقته. أمّا الشرّير يستعمل هذا ضدّنا ويجعلنا نرفض الوقت. التجربة الأولى، في هذا النصّ، هي عن الجوع. كلّ التجارب تأتي على كلمة "أنت ابني" الّتي قالها الآب ليسوع وقت العماد. وكأنّ الشرّير يقول ليسوع أن يرفض إنسانيّته. كلّ تجاربه لنا هي في أن نرفض إنسانيّتنا. التجربة الثانية هي في رفض الزمن. نرفض أنّ الأمور تتطلّب وقتًا. يستفيد الشرّير أيضًا من مسألة الوقت. يجب علينا أن نثق بالله أنّه يقود الأزمنة. والتجربة الثالثة هي الضابط الكلّ. يطلب منه أن يُبرهن أنّ كلمة الله صادقة له. عندما يدخل البرهان في وسط العلاقة يدخل معه الحذر. الإيمان لا يتطلّب البرهان.
تأمّل في رايتَين إحداهما للمسيح قائدنا الأعظم وربنا والثانية للوسيفيُرس عدو الطبيعة البشرية اللدود
الصلاة: الصلاة التمهيدية. المقدمة الأولى: الخبر. وهنا كيف أن المسيح يدعو جميع الناس ويُريدهم تحت رايته. ولوسيفيرس بالعكس تحت رايته هو. المقدمة الثانية: تصور المكان وهنا أرى معسكراً واسعاً في ناحية أورشليم كلها، حيث القائد العام الأعظم للصالحين هو المسيح ربنا. وأرى معسكراً آخر في ناحية بابل، حيث رئيس الأعداء هو لوسيفيرس. المقدمة الثالثة: أطلب ما أريد. وهنا أطلب معرفة حيل الرئيس الشرير والعون لتجنبها، ومعرفة الحياة الحقيقية التي يعلمها القائد الأعظم الحقيقي، والنعمة لأقتدي به.
النقطة الأولى: أتصور رئيس جميع الأعداء في معسكر بابل الواسع هذا، كأنه جالس على عرش كبير من نار ودخان ومنظره فظيع مرعب.
النقطة الثانية: أعتبر كيف أنه يقوم بدعوة عدد لا يُحصى من الشياطين، ويوزعهم، بعضهم في هذه المدينة وبعضهم في تلك، وذلك في أنحاء العالم كله، غير تارك إقليماً ولا قطراً ولا حالة حياتيه ولا شخصاً من الأشخاص.
النقطة الثالثة: أعتبر ما يخاطبهم به، وكيف أنه يأمرهم بإلقاء شباكهم وسلاسلهم: عليهم أن يجربوا أولاً بشهوة الأموال، كما الحال هي في أغلب الأحيان، حتى يبلغ الإنسان بسهولة أعظم الفخر العالمي الباطل، ومن ثم كبرياء لا حد له. فتكون الدرجة الأولى الغنى والثانية الفخر والثالثة الكبرياء. وبهذه الدرجات الثلاث يجلب إلى سائر الرذائل.
على عكس ذلك تماماً، يجب أن أتصور القائد الأعظم الحقيقي، المسيح ربنا.
النقطة الأولى: أعتبر كيف أن المسيح ربنا واقف في معسكر واسع في ناحية أورشليم في مكان متواضع، وهو جميل ظريف.
النقطة الثانية: أعتبر كيف أن سيد العالم كله يختار جميع أولئك الناس، أي الرسل والتلاميذ، الخ، ويرسلهم إلى العالم كله لينشروا تعليمه المقدس بين الناس على اختلاف حالاتهم وأوضاعهم.
النقطة الثالثة: أعتبر الخطاب الذي يوجهه المسيح ربنا إلى جميع خدمه وجميع أصدقائه الذين يرسلهم إلى تلك الحملة إنه يوصيهم بأن يسعوا لمساعدة جميع الناس، حاملين إياهم أولاً على الفقر الروحي المطلق، بل على الفقر الفعلي أيضاً إن كانت العزة الإلهية تخدم به، وترضى بأن تختارهم، ثانياً على الرغبة في أنواع الذل والاحتقار، لأنه من هذين الأمرين ينتج التواضع. وعليه، فهناك ثلاث درجات: الأولى هي الفقر وهو ضد الغنى، والثانية هي الذل أو الاحتقار وهي ضد الفخر العالمي، والثالثة التواضع وهو ضد الكبرياء. وبهذه الدرجات الثلاث، عليهم أن يقودوا الناس إلى سائر الفضائل.
المناجاة الأولى: إلى سيدتنا، لكي تنال لي من ابنها وربها نعمة قبولي تحت رايته:
١ ) في الفقر الروحي المطلق، بل وفي الفقر الفعلي أيضاً، إن كانت العزة الإلهية تخدم به، وترضى أن تختارني وتقبلني.
٢ ) في احتمال أنواع الذل والإهانة، لكي أقتدي به اقتداء أفضل، بشرط أن أستطيع أن أحتملها بدون أن يدفع ذلك أحداً إلى اقتراف خطيئة، ولا أن يسبب ذلك استياء للعزة الإلهية. ثم أتلو "السلام عليك".
المناجاة الثانية: أطلب الأمر عينه إلى الابن، لكي يناله لي من الآب. ثم أتلو "يا روح المسيح"
المناجاة الثالثة: أطلب الأمر عينه إلى الآب، لكي يُنعم به عليّ. ثم أتلو "أبانا"
يا روح المسيح
يا روحَ المسيح قدّيسيني
يا جسدَ المسيح خلّصني
يا دمَ المسيح أسكرْني
يا ماءَ جنبَ المسيح اغسلني
يا آلامَ المسيح قوّيني
يا أيّها المسيح الحنون استجِب لي
وفي جروحك اخفِني
وأن أنفصل عنك لا تدَعني
ومن العدوّ الخبيث احمِني
وفي ساعة موتي ادعُني
وأن آتي إليك اؤْمرني
لأمجّدك مع جميع قدّيسيك
لأبد الآبدين. آمين
الإثنين: يسوع يعطي بطرس اسمه، مظهرًا له خصوبة غير متوقّعة في داخل واقع يبدو عقيمًا.
حديث رقم 14
الدعوة
لكلّ إنسان دعوة أي أن يختبر نداء الله له: من هو أمام الآب؟ الدعوة ليست حالة ولا "عزيمة" (Invitation) ولا حقّ. هو نداء. ولن أجد دعوتي إلّا إذا وجدت في كلّ إنسان هذه الدعوة، أي أن أجد أن لديه نداء من الربّ. عندما أؤمن أنّ كلّ إنسان مدعو، أكتشف دعوتي.
تظهر دعوتي مِن داخل قصّة حياتي، إذ هي واقعيّة. هي من داخل ظروفي ("من مصر دعوتُ ابني") ولهذا السبب يجب أن أتعلّم أن أُحبّ ظروفي. دعوتي عنصر توحيد ومصالحة. هي استجابة لعطش العالم وجوعه. تستجيب لصراخ العالم وهي عمل الله في العالم. هي جواب الله على بكاء العالم. ولهذا لا أستطيع أن أغار من غيري لأنّ كلّ شيء هو من عمل الله.
لا يوجد خطر من أن أخسر دعوتي لأنّ الله لا يغيّر رأيه (راجع قصّة يونان). ممكن ألا أعيش على مستوى دعوتي. أستطيع أن أكون على مستوى دعوتي إذا راهنت على الله. الخوف هو عدوّ للتمييز وهو عنصر يسبّب هذا التراجع في العيش على مستوى دعوتي والسبب الثاني هو غير المبالاة وقلّة الاهتمام.
قواعد إضافيّة لتمييز الأرواح
عُرف القدّيس أنطونيوس الكبير بتعليمه عن "تمييز الأرواح". إنّه يحثّنا على ألّا نخاف من الشرّير لأنّه لا "يخوّف".
سنتحدّث اليوم عن تمييز الأرواح. تكلّمنا فيما مضى عن الانبساط والانقباض. وتعلّمنا كيف نتعامل مع كلّ واحد منهم. يسمّي القدّيس اغناطيوس هاتين الحالتين دَرْسَين للحياة الروحيّة.
تعوّدنا أنّنا في الانبساط نشعر بحرارة وابتهاج باطنيّ ونحبّ المخلوقات كعطيّة من الله. في هذه الحالة نأخذ أحيانًا علامات محسوسة كالبكاء أو، في أحيانًا أخرى، يأتي الانبساط بإيمانٍ مُضاعف. يأتي هذا الانبساط من خلال لمسة الملاك الصالح. بينما الملاك الشرّير يُعطيني الانزعاج.
سنتكلّم اليوم عن نوع آخر من التعزية الّتي تمسّ مباشرة الشعور. نشعر بالفرح بدون سبب. في حين أنّه لا يوجد شيء يدعو للفرح، نشعر بالابتهاج. يدخل الله في حياتنا ويجذبنا صوبه بشكل لا نستطيع أن نُقاومه. في هذه الأثناء، أتكيّف مع الصعوبات بشكل سهل.
هذه التعزيّة هي مجّانيّة. الله وحده يلمسني وليس الملائكة. عندما تكون تعزيتي بدون سببٍ سابق، تكون خالية من أيّ شك وتكون من الله مباشرة. عندما تأتي بعد سبب معيّن، ممكن أن تكون من الطَرفين سواء من الملاك الصالح أو من الملاك الشرّير.
في هذه المرحلة، سنأخذ قرارات مهمّة في حياتنا وسيحاول الشرّير أن يضيّعنا. وبما أنّه مهزوم على جميع الأحول، سيدفعنا لكي نأخذ القرار الّذي فيه خدمة أقلّ للربّ. ممكن أن يأتي كملاك النّور لكي يخدعنا (٢ قو ١٠). هو صالح ظاهريًّا أمّا باطنيًّا فهو كذّاب. يُسمّي القدّيس اغناطيوس هذه المرحلة "تجارب في ظواهر الخير". ويبقى السؤال: كيف نميّز؟
أوّلاً : إذا كان الفرح بدون سبب، يكون الله هو مصدر انبساطنا.
ثانيًا: إذا كان هناك سبب لفرحنا. في حال وقعنا في خدعة الشرّير، سنتعلّم من نتيجة العمل. مـُمكن أن ندخل بانقباض وألم أخذنا لقرارٍ لم يكن مناسبًا. ينصح القدّيس اغناطيوس، في هذه الحالة، بأن نُراجع أفكارنا لكي نكتشف أين هي "النقلة" من الخير إلى الشرّ. مثل الرجل الّذي يريد أن يفتح مطعم لكي يساعد عائلته. قبل البدء بالمشروع، يتخيّل أنّه يتعب ولكن ما يعزّيه هو المردود الماديّ لهذا المشروع. عندما يحقّقه ويجده نافعًا يفكّر في فتح فرعًا ثانيًا. عندها يشعر بالتعب، وعدم الاهتمام بعائلته وتكون حالة عائلته الآن أسوأ من الأوّل. تحوّل همّ عائلته إلى مجده والاستفادة من المادة. يستطيع، إذا راجع أفكاره، أن يجد اللحظة أو الموقف الّذي دخل إليه المجد الباطل وحبّ المال.
هدف الشرّير الأوّل أن نصنع الشرّ. ولكن يدخل أحيانًا لكي يخفّف من الصلاح وهذا هدفه الثاني. على سبيل المثال، عندما يقلّل المدعو من عظاته إذ هو خائف من الكبرياء في حين أنّ عظاته تلمس القلوب. بهذه الطريقة خفّف الشرّير من صلاح العمل. والهدف الثالث، عندما لا يستطيع أيضًا أن يخفّف الخير، يدخل ويقلقنا ويزعجنا. يكره الطبيعة البشريّة.
من خبرتنا الماضية، نعرف نقاط ضعفنا. وعندما نعرفها نستطيع أن نحميها للمستقبل. للتأمّل في رايتين قوّةً بحيث أنّه يكشف لنا بأيّ طريقة يدخل الشرّير إلى حياتنا. للشرّير طريقة واحدة يدخل فيها إلى حياتنا: يحاول أن يجعلنا نحبّ التملّك ومن بعدها النجاح والمجد الباطل ومنها إلى الكبرياء. ومن هنا يستطيع أن يجرّنا إلى المكان الّذي يريده. طريقة أخرى لنميّز قرارنا بمشروع معيّن: هل هدفه جيّد؟ والخطوات الّتي تقود إليه، أهي جيّدة وصالحة؟ ممكن أن يدخل الكذب أو خطيئة ومعيّنة في وسائلنا لكي نصل إلى هدفنا. يجب الانتباه إذا كان الطريق والقرار الّذي سنأخذه مُطابقًا للإنجيل. والطريقة الأخرى، هي في وجود مُرافق في حياتنا يكشف فضائح الشرّير.
يجب الانتباه عندما يأتي الانبساط بدون سبب أن يفعل الإنسان مشروع معيّن لأنّه في حالة الانبساط. بعد انتهاء هذا الوقت، ينتهي الانبساط ويبقى الإنسان في حالة الابتهاج. عندها ممكن أن يدخل الشرّير بمظهر ملاك النّور لكي يخفّف من الخير.
للشرّير طريقة أخرى وهي في أن يجعلني أيأس من كثرة الخير. يستعمل الشرّير رقة النفس. ويزيد رقّتها لكي يدفعها إلى اليأس والوثوق بأنّ الحياة الّتي تعيشها هي غير ممكنة.
مقدّمة للقيام بالاختيار
نقرأ معًا النصّ المرفق:
مقدّمة للقيام بالاختيار
في كل اختيار سليم وبقدر ما يعود الأمر إلينا، لا بدَّ لِعَين نيَّتنا أن تكون بسيطة، فتنظر فقط إلى الغاية التي يخلقني الله لأجلها، أي لتسبيح الله ربّنا وخلاص نفسي. ولذلك، فأيّاً كان اختياري، فلا بدّ أن يرمي إلى مساعدتي على بلوغ الغاية التي لأجلها يخلقني الله، لا أن ينظِّم ويُخضِع الغاية للوسيلة، بل الوسيلة للغاية.
وفي الواقع نرى الكثيرين يختارون الزواج أوّلاً – وهو الوسيلة – وثانياً خدمة الله ربّنا في الزواج. والحال أنّ خدمة الله هي الغاية. وهناك أناس آخرون يريدون أوّلاً الحصول على ريع وقف كنسيّ، ثمّ خدمة الله فيه.
فهؤلاء لا يذهبون رأساً إلى الله، بل يريدون أن يأتي الله رأساَ إلى أنواع تعلُّقهم غير المُنظَّم، فيجعلون من الغاية وسيلة ومن الوسيلة غاية. وهكذا فما حقّت له الصدارة وضعوه في المحلّ الأخير، إذ إنّ هدفنا الأوّل هو عزمنا على خدمة الله وهي الغاية، ثمّ قبول ريع وقف كنسيّ أو الزواج – إن كان ذلك الأفضل لنا – وهو الوسيلة من أجل الغاية. فليس لأيّ شيء أن يدفعني إلى اتّخاذ هذه الوسيلة أو تلك أو الامتناع عنها، إلاّ خدمة الله ربّنا وتسبيحه، وخلاص نفسي الأبديّ.
تأمّل في حياتي
منذ الآن، وفي كلّ أسبوع، سندرج تمرينًا جديدًا يوم الخميس، هو تمرين التأمّل في حياتي. كيف تصير حياتي مكانًا لمشاهدة أسرار حياة يسوع؟ ما الّذي في حياتي يحتاج إلى قرار؟ ما الّذي يحتاج إلى صبر وانتظار؟
للأشخاص الّذي لم يدخلوا بالرياضة لكي يأخذوا قرار معيّن، هذا التأمّل هو مُناسب لهم. من الضروري أن نفحص حياتنا لكي نجد فيها المكان الّذي يتطلّب تدخّل الله، أو ظروف تحتاج إلى تغيير.
يذكر نصّ المبدأ والأساس بعض الأفكار عن الظروف في حياتنا وكيف نختارها. فكرة هذا النصّ أنّ الغاية الأساسيّة للظروف هي مجد الله. العلاقة الأساسيّة هي علاقتي بالله وليست الظروف أو الخلائق هي الأساس ومصدر فرحي. الأساس هو علاقتي مع الله، مع كلمة "كُن" الذي يقولها لي الله. الظروف مهمّة إذا لم تكُن هي الأساس. كلمة "هاءنذا" ستتجسّد في هذه الظروف. هي مثل كلمات الكتاب المقدّس من أجلي. الله يكلّمني من خلال الظروف. العلاقة الأولى هي علاقتي بالله ومن خلال هذه العلاقة أستطيع أن أقرأ الظروف ولكن ليس بطريقة مباشرة أو حتميّة أو علميّة إذ هذه الطريقة هي خطرة وتتطلّب تمييز.
الظروف نوعان: النوع الأوّل الّذي لا أستطيع أن أغيره، أمّا الثاني وهو الّذي أستطيع أن أغيّره. وهنا يتطلّب هذا الأمر الكثير من التمييز. الظروف هي الموادّ الأوليّة الّتي يشكلّني الله فيها كما شكّل آدم في الخلق.الإثنين: يسوع يعطي بطرس اسمه، مظهرًا له خصوبة غير متوقّعة في داخل واقع يبدو عقيمًا.
الثلاثاء: من هو المسيح في نظركم...؟ (المسيح ينتظر من الرسل جوابًا غير جواب الجموع...).
الخميس: سنحاول أن نعمّق أكثر فأكثر هذا التمرين لكي نفهم حقيقة حيل الشرّير.
الجمعة: كما تعوّدنا، بعد المقدّمات (الصلاة التمهيديّة، أتذكّر سريعًا مختلف التمارين الّتي عشتها ثمّ أطلب النعمة – أن أعرف المسيح معرفة باطنيّة... – ثمّ أتذكّر ما اختبرت من انبساط وانقباض في التمارين السابقة محاولاً أن أتعلّم شيئًا ممّا اختبرت.
السبت: أعود إلى مشهد الصيد العجائبيّ وأحاول، بدون النصّ، أن أدخل فيه بمشاعري وحواسّي، وبأفكاري وقد اغتنت بكلّ ما تأمّلتُ فيه بالأيّام الماضية...
نقاط تساعد على التأمّل
الإثنين 13 كانون الثاني 2014
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
أتخيّل شاطىء البحيرة والجموع "تحثُّ الخُطى وتزدحم" على يسوع لسماعه.. أراها تترك المجمع ومعلّميه لتتبع "المعلِّم الربّ"..يا ترى ما هي تلك الأقوال التي كانت تخرج من فمه وتجذب هذا العدد من الناس؟ أتّخذ مكاناً بينهم.. أتلمّس معهم عطشي إلى الشفاء والراحة و"معنى جديد لزمني وواقعي"..أبحث عمّا يميّزه عن باقي "معلّمي الشريعة"..أتأمّل شخصه بوعوده وأفعاله..أتذوَق وَقع بشارته على إنتظارات القلوب الحاضرة.. أشاهده كيف بعيداً عن كلّ مظاهر "القوى الخارقة" "والتعليم الزائف" ، يبثُ قوّة جديدة، قوّة روح متفاعلة ومحرِّكة..قوّة تجعل الإنسان "حياً وثابتاً" في كلّ ظروف مسيرته الحياتية..أناجيه طالباً نعمة "الإنجذاب" لبشارته لكيما أرغب في اتباعه والعيش "بحركة روح الآب القدوس"..
النقطة الثانية :
"أرتمي مع بطرس عند رُكبتَي يسوع وأقول له :" تباعد عّني فإني رجلٌ خاطىء"..أشعر به يسجد أمام "ظهور الله ورحمته" كما فعل أشعيا في الهيكل(6 \ 1 – 8) وموسى في العلّيقة المشتعلة (خروج 3 \ 1 – 4).. وكما موسى وأشعيا أسمع الربّ يدعو "للتتلمذ له وليُرسل"..يُرسِل إلى شعبه مَن تفاعل مع رسالته وقرّر أن يساعده على جعل هذا الشعب يصل إلى ملء إنسانيته..أأجدُ في قلبي صدىً للمشاركة في هذه المهمّة المتطلبة التي تطال الحياة اليوميّة ببساطة علاقاتها والتزاماتها؟ أنظر إلى الربّ ومجده وأُناجيه قائلاً : " تعال أيّها الربَ يسوع وأضرم فيَ حبّ إلقاء شباكي - بناءً على قولك - في بحر مَن يرزح تحت وطأة الأزمات وأوجاعها وينغلق في شباك الخيبات وحزنها، لينعم بسلاح "الرجاء والفرح والمحبّة" التي تأتي منك ولا أحد يستطيع أن يسلبه إياها.."
النقطة الثالثة :
"ركِب إحدى السفينتين".. لِمَ اختار هذه وليس تلك؟ وها هو يسترسل بطلباته بالرغم من رؤيته إحباط التلاميذ ورغبتهم بالراحة بعد طول هذا العناء..كم هو عجيبٌ الربّ في أحكامه..عجيبٌ بطرق خلاصه.. أرى كيف أنّ معه كلّ شيء "أصبح ممكناً" ما إن "اُعطِيَ" له المجال بالتدخُّل..أُشاهده يتلمّس الحبّ"مكاناً" بين البشر..أسمعه يدفعهم "إلى العرض" إلى أبعد من المخاوف التي تشلّ تفكيرهم وقراراتهم ومشاعرهم..فيا ربّ أيقظ في عبادتي مشاعر حبّك، وأَلقي "شبكة كلمتك " في قراراتي، ووَجَه أفكاري نحوك لكيما أشهد بروحك على إنجازاتك الوافرة ..
الثلاثاء 14 كانون الثاني 2014
نقاط الصلاة :
النقطة الأولى :
أسمع يسوع يسألني :" من أنا على حدّ قولك ؟ " أتلمّس المعاني التي يمكن أن أجدها في طيّات "إعلان إيماني بيسوع المسيح".. هل أجدها أراء عقلانية ثقافية أم مفاهيم تلمس كياني وتُحدثُ تغييراً في واقعي وطريقة عيشي؟ أدخل إلى خياراتي الباطنية ، أغذيها بصلاتي ذاكراً كلّ ما صنع لي الربّ، طالباً أن تتحوّل يوماً بعد يوم من رأي عابر إلى قناعاتِ متجذّرة وثابتة في قلبي وأعمال شاهدة "بأنّ الله حيّ"..
النقطة الثانية :
"أنت المسيح" أتخيّل وقع إعلان هاتين الكلمتين على السامعين الذين طال إنتظارهم "للمسيح الملك الآتي من سلالة داود ليعيد الملك لإسرائيل ويحلّ السلام الأبدي"..أشعر بالآمال تستيقظ من جديد : " أخيراٌ جاء المخلّص ومكافأة الله لشعبه معه.."أشاهد يسوع يسبر غور هذه الأمال، يلمس فيها توقعات مغايرة لمسار رسالته وأهدافها ..أصغي إليه "يعلّم" ليشرك تلاميذه بمفهوم جديد "للخلاص وتحقيق الملكوت"..أتذوّق سياسته التعليمية "المنميّة لمواقفهم وتطلعاتهم"..أشعر بصدمة بطرس ورفاقه لدى سماعه يسوع يكشف له عن إنجاز مهمّة مرتبطة " بمسيح متألّم".. " أتحدّ بهم ..أنظر بشفافية إلى رغبة قلبي "بصداقة مسيح جبّار عالٍ عن الألم وبعيد عن التوبة وعن بحثي لتطويبات من دون صليب".. أتلمّس "روح الفهم والحكمة الإلهية" لكيما أقبل أن أشارك "المسيح الربّ" كتابة "تاريخ بشرية" "مطبوع" بخلاص آتٍ من الآب..
النقطة الثالثة :
الألم حقيقة تواكب كلّ الأزمنة بأمانة من جيل إلى جيل..وها هو يجعل من بطرس حجر عثرة..أمعقول أن يتألّم إبن الله الذي بيده شفى الأعمى، وبكلمته أحيا المائت، وبحبِّه غفر للخاطئة؟ فهل رِضى الله يكمن في ألم الإنسان؟ هل مجده مرتبط به؟ أرفع كلّ هذه الأسئلة إلى ا"المسيح" حاملاً فيها كلّ صرخات وتساؤلات وأبحاث المتألّمين والمرضى والعلماء والفلاسفة في كلّ زمان ومكان ، أسير بها خلفه علّني أجد العزاء بالحبّ الذي يطهّره الألم.
نعرف في أيّ طرق تسير رياضتنا، سوى ما يقوله المزمور ٢٣: "الربّ راعيّ لا يعوزني شيء. في مراع خصيبة يقيلني ومياه الراحة يوردني." لا أحد منّا يملك مفاتيح المسيرة الروحيّة ولكنّنا نعرف "الطريق": يسوع. ونريد أن نعرفه دائمًا "أكثر"، بشكل "أعمق"، أن نتآلف معه فنزداد شبهًا به. لأنّ يسوع هو "الابن"، هو تحقيق دعوتنا الأعمق والأعمّ، هو شوقنا الأقدم، أقدم من أيّ خطيئة ومن أيّ حزن ومن أيّ تعلّق غير منظّم. هو غذاؤنا، فيه حرّيّتنا، منه جرأتنا، لأنّه هو كلمة الله إلينا، كلمة "كن" الجبّارة، وهو أيضًا كلمتنا إلى الله، كلمة "هاءنذا" الجريئة. المسيح هو تدبير الله الأزليّ أي هو رغبة الله في الحياة والبركة لكلّ كائن، فيه يتحقّق التدبير لأنّه ينال البركة منذ الأزل وبشكل كامل، وهو يحقّق التدبير بأن يوصل البركة إلى الكلّ عن طريق إخلاء الذات. يسوع هو "المختار" الّذي يحمل اسم الله فتقع عليه تعييرات المعيّرين، ولكنّه لا يعدّ مساواته لله امتلاكًا بل يخلي ذاته مشاركًا الكلّ في ذاته. "الكلّ" أي كلّ من أراد... رغباتنا وقراراتنا محوريّة في تحقيق تدبير الله فينا. مع أنّ هذا التدبير مستقلّ عنّا، لأنّه في صميم الثالوث، في حبّ الآب والابن، إلاّ أنّه ينفتح لنا بشكل دعوة، بدون اقتحام ولا استعباد. وحياتنا هي قصّة هذه الدعوة. قصّة التدبير الّذي ينقلنا من العدم إلى الوجود، من الموت إلى الحياة، من قساوة القلب إلى الحبّ، من الخطيئة إلى الرجاء، من التذبذب إلى الرسوخ.
حديث رقم 15
تعليق على التأمّل في رايتين:
التأمّل في رايتين يشبه سفر الرؤيا. في سفر الرؤيا يكشف لنا الكتاب واقعنا بعد أن يزيل عن عيوننا الحجاب، فنرى الصراع بين المسيح وأصدقائه من جهة، والتنّين (الشيطان) وقوّاته من جهة أخرى. هذا الصراع حاضر في حياتنا لكنّنا لا نراه لأنّ واقعنا ممزوج، مثل الحقل المزروع قمحًا والّذي يلقي فيه العدوّ الزؤان (متّى 13: 24-30). هكذا نحن لا نميّز بسهولة منطق المسيح ومنطق الشرّير. فلكي نميّزهما، يقترح القدّيس إغناطيوس هذا التمرين.
من جهة نرى معسكر لوسيفيروس (حامل النور): منظره فظيع ومرعب، جالس على عرش من دخان ونار (أي من وهم) يعلّم شياطينه كيف يلقون الشباك والسلاسل (عقليّة الاستعباد والأفخاخ). ومن جهة أخرى نرى المسيح، جميلاً وظريفًا، واقفًا بين أصدقائه، "يختارهم" ويرسلهم.
ولكن حين نسمع التعليم، تنعكس الصورة: تعليم لوسيفيروس جذّاب. لأنّه مخادع. لا يريد أن نرى منظره الفظيع والمرعب، مع أنّ خلف التعليم الجذّاب، يبقى منظره فظيعًا ومرعبًا. بظاهر الجمال يسعى إلى السيطرة. أمّا تعليم الربّ فيظهر منفّرًا: حبّ الفقر، والرغبة في الذلّ والاحتقار... بالطبع لا يحبّ الربّ أنّ يرى الناس مذلولين، فقد كلّلهم بالمجد والكرامة منذ الخلق (مزمور 8). ولكنّه يدعوهم أن يكونوا "أصدقاءه" أي أن يشاركوه ما قام به لأجلهم. الفقر هو مكان العلاقة. الاحتقار هو ما نتحمّله من أجل من نحبّ.
هذا التمرين يحضّرنا للنظر في واقعنا، لكيلا ننغشّ بظواهر الخير والجمال، بل أن ننتبه إلى منزلق حبّ المال (التملّك في كلّ أشكاله) وحبّ السلطة. وبالمقابل لكي نسمع دعوة الله إلى خدمة رسالته، في سبيل كلّ إنسان، مهما كلّفت. هذا التمرين يحصّننا أيضًا ضدّ نظرة إلى الدعوة على أنّها شيء نمتلكه. نظنّ أحيانًا أنّ دعوتنا شيء فينا نبحث عنه. الدعوة هي نداء، صوت يأتيني من الخارج، لا أمتلكه. فلكي لا أتعب نفسي في السؤال عمّن أنا، ولا أجد إلاّ العدم الّذي منه خرجتُ، يدعوني التمرين إلى أن أترك التملّك وأصغي إلى الصوت الخالق الّذي يخرجني من العدم. أعرفه من تأثيره فيّ: يهبني السلام والفرح، يشجّعني على قبول ذاتي وإنسانيّتي، يحرّرني من الأوهام، يسمّيني صديقًا للربّ، "يختارني" في قلب ظروفي لأخدم تدبيره الخلاصيّ.
حديث رقم 16
نعرف في أيّ طرق تسير رياضتنا، سوى ما يقوله المزمور ٢٣: "الربّ راعيّ لا يعوزني شيء. في مراع خصيبة يقيلني ومياه الراحة يوردني." لا أحد منّا يملك مفاتيح المسيرة الروحيّة ولكنّنا نعرف "الطريق": يسوع. ونريد أن نعرفه دائمًا "أكثر"، بشكل "أعمق"، أن نتآلف معه فنزداد شبهًا به. لأنّ يسوع هو "الابن"، هو تحقيق دعوتنا الأعمق والأعمّ، هو شوقنا الأقدم، أقدم من أيّ خطيئة ومن أيّ حزن ومن أيّ تعلّق غير منظّم. هو غذاؤنا، فيه حرّيّتنا، منه جرأتنا، لأنّه هو كلمة الله إلينا، كلمة "كن" الجبّارة، وهو أيضًا كلمتنا إلى الله، كلمة "هاءنذا" الجريئة. المسيح هو تدبير الله الأزليّ أي هو رغبة الله في الحياة والبركة لكلّ كائن، فيه يتحقّق التدبير لأنّه ينال البركة منذ الأزل وبشكل كامل، وهو يحقّق التدبير بأن يوصل البركة إلى الكلّ عن طريق إخلاء الذات. يسوع هو "المختار" الّذي يحمل اسم الله فتقع عليه تعييرات المعيّرين، ولكنّه لا يعدّ مساواته لله امتلاكًا بل يخلي ذاته مشاركًا الكلّ في ذاته. "الكلّ" أي كلّ من أراد... رغباتنا وقراراتنا محوريّة في تحقيق تدبير الله فينا. مع أنّ هذا التدبير مستقلّ عنّا، لأنّه في صميم الثالوث، في حبّ الآب والابن، إلاّ أنّه ينفتح لنا بشكل دعوة، بدون اقتحام ولا استعباد. وحياتنا هي قصّة هذه الدعوة. قصّة التدبير الّذي ينقلنا من العدم إلى الوجود، من الموت إلى الحياة، من قساوة القلب إلى الحبّ، من الخطيئة إلى الرجاء، من التذبذب إلى الرسوخ.
ليس يسوع "حامل الرسالة" فحسب، بل هو الرسالة. ليس لتعليمه مضمون محدّد، بل هويّته هي المضمون. ما يسلّمه إلينا هو ذاته. وما نستلمه ليس محتوى نتعلّمه أو نفهمه بل نستلم روحه، أي نصير مثله، نتحوّل إليه. فالروح القدس "يأخذ ممّا لي ويهب لكم" (يو ١٦: ١٣ -١٥)، يجعل فينا "الشعور الّذي هو أيضًا في المسيح يسوع" (فيل ٢: ٥)، ويجعل لنا "فكر المسيح" (١كو ٢: ١٦). بكلمة أخرى، تكتمل رسالة يسوع في الشخص الّذي يصير "مسيحًا آخر"، في الّذي يقبل حبّ الله له في قلب المسيح إلى درجة أن يقبل حبّ الله للعالم في قلبه هو. هذا هو الرسول. ليس الإنجيل قصّة يسوع، بل هو قصّة ما يحصل في قلب الإنسان الّذي يلتقي بيسوع حتّى يصير رسولاً. لا أدري ما الأعظم: خلق العالم من العدم أم ولادة الرسول في ابن آدم؟
رياضتنا في مرحلتها الحاضرة هي ولادة الرسول فينا. ليس الرسول من ينطلق للبشارة بل من وضع نفسه في تصرّف الله يرسله كما يريد. الرسول موقف داخليّ، حالة داخليّة أكثر منها خارجيّة. موقف تأهّب، "هاءنذا"، "تركنا كلّ شيء وتبعناك". أمّا في الخارج فمن الرسل من يرسله الله في الحياة المكرّسة ومنهم من يرسلهم في داخل الحياة العلمانيّة، منهم من يرسلهم بين الفقراء في التعب والكدّ ومنهم من يرسلهم بين الأغنياء أو في المؤسّسات والأوطان. منهم من تعرّض الرسالة حياتهم للخطر، ومنهم من يقضون حياتهم في أمان واستقرار. ولكن يجمعهم أنّهم أحبّوا المسيح فوق حبّ الذات (رؤيا ١٢: ١١) ولم يعودوا ينظرون إلى أنفسهم بل إلى الّذي أرسلهم. تهمّهم رسالة يسوع، تدبيره، مشروعه، أكثر من مساعيهم الخاصّة وأكثر من مشاريع الناس.
في هذا الحديث سننظر إلى رسالة يسوع من خلال ٧ "كلمات" قالها يسوع، مع تعليق عليها، ثمّ سنتعلّم تمرينًا جديدًا مكان تأمّل الرايتين ليوم الأربعاء.
١ . رسالة يسوع من خلال ٧ كلمات (أو "نؤمن بإله يأتي")
* "أتيتُ لتكون الحياة للناس ولتفيض فيهم" (يو ١٠: ١٠)
الحياة الّتي تفيض هي حياة الله نفسه تفيض في مخلوقاته. غاية رسالة يسوع إتمام القصد الأصليّ، تحقيق الغاية من الخلق. والله يفيض حياته بأنّه يبذلها، يعطيها، يشركنا فيها، أي يجعل نفسه عرضة للغربة في حياته ذاتها. اكتمال الحياة فينا أن تصير فينا أيضًا بذلاً للذات ودخولاً في الشركة وتعرّضًا للغربة.
* "جئتُ لألقي على الأرض نارًا" (لو ١٢: ٤٩)
أتى يعمّدنا بالروح القدس والنار. أيّ نار يقول فيها يسوع "ما أشدّ رغبتي في أن تكون قد اشتعلت"؟ لعلّه يقصد الرسل: أن يكون نجح في إرساء قلوبهم لجهة الله وقصده. فالنار الّتي يعنيها يسوع هي نار الروح الّذي أتى يسلمه الرسل، فيسلموه بدورهم إلى رسل جدد وهكذا دواليك.
* "أتيتُ لا لأُخدم بل لأخدم" (مر ١٠: ٤٥)
الله لم يره أحد قطّ، أتى يسوع يكشفه لنا. وما ينكشف هو إنسان يخدم ولا يستخدم، يكشف بذلك الإله الّذي يعلنه: إله يحبّنا أوّلاً ومجّانًا، لا بمقابل حبّنا ولا بمبادرة أعمالنا. الإنسان الّذي يخدم طوعًا إنسان ملأ قلبه الشكر والامتنان تجاه خالقه حتّى ليقول: "مسبّح أنت يا إلهي لأنّك خلقتني". عكس ذلك من يعتقد أنّ "كل من خلق علق"، فيطالب العالم بالتعويض ولا يرى مانعًا من استغلال الآخر إن استطاع.
* "لم آتِ من أجل الأصحّاء بل من أجل المرضى" (متّى ٩: ١٢)
لا يجوز أن نحبّ المرض فوق الصحّة، ولكنّنا لا نحتقر فقرنا وعجزنا ومرضنا لأنّها فينا صلاة صامتة، انتظار للمخلّص وتصديق لوعوده. قول يسوع دعوة لأرى وأستقبل أمراضي وأمراض الإخوة بلا حكم عليهم ولا احتقار.
* "عليّ أن أبشّر بالملكوت، فإنّي لهذا خرجتُ" (مر ١: ٣٨)
الملكوت: حيث الله ملك، أي حيث حبّه مقبول وهو الشريعة الوحيدة! أتى يسوع ليبشّر بملكوت الله، أي ليظهر نهاية كلّ ملكوت آخر، ليظهر الفساد المختبئ في زوايا أنظمة الحكم والضحايا المرميّة في الطبقات السفليّة من كلّ المجتمعات. أتى ليكشف أنّ العدل يمرّ بحبّ الحقّ في أعماق النفس.
* "هكذا أحبّ الله العالم حتّى إنّه جاد بابنه الوحيد لكيلا يهلك كلّ من يؤمن به" (يو ٣: ١٦)
لماذا حياتي؟ ليظهر أنّ الله يحبّ العالم!! "ما دام لنا متّسع من الوقت، لنصنع الخير لجميع الناس" (غلاطية ٦: ١٠).
* "أتيتُ لأشهد للحقّ" (يو ١٨: ٣٧)
كلمة الآب الخالقة تعدو عدوها – في حياة يسوع – كما الشمس في مدارها (مز ١٩)، كما الماء في دورتها (أش ٥٥)، وفي حياة الرسل وفي حياتي، كالنور في ظلمات لا تدركها، كالحقّ يفصل في الباطل، كلمة تجري التمييز وتخرج من الخلط كما أخرجت اليبس من الماء والوجود من العدم.
٢ . التأمّل في فئات الناس الثلاث
نقوم بهذا التمرين يوم الأربعاء، في مكان تأمّل الرايتين.
فكرة التمرين بسيطة: نحن نصل إلى مرحلة الاختيار في الرياضة ومعنا حمل ثقيل، حمل حياة لم ننظر إليها دائمًا على أنّها عطيّة من الله، وبالتالي مزجنا فيها الجيّد والسيّء، الحلو والمرّ، وحياتنا الحاضرة هي نتيجة كلّ المسيرة السابقة بأنوارها وبظلالها. وكأنّي وريث تركة كبيرة، ليست كلّها بركة ولكنّها كلّها هنا. والسؤال كما تعلّمنا لم يعد سؤالاً عن الماضي: لماذا حصل هذا؟ بل هو سؤال عن الحاضر: ماذا أفعل بما عندي؟ ماذا أفعل منذ الآن؟ أجد نفسي مثلاً أريد أن أخدم الله، ولكنّي مرتبط بعمل يأخذ منّي كلّ وقتي، اخترته بحرّيّتي حين لم أكن بعد أنظر إلى حياتي كما أنظر الآن. أو أجد نفسي متعلّقًا بالراحة المادّيّة الّتي توصّلت إليها بعد سنين من العذاب، والآن أريد أن أترك تعلّقي ولكنّي لا أريد أن أفقد الراحة... دائمًا حين أريد أن أقدّم حياتي واقعيًّا لله أكتشف أنّي لستُ ورقة بيضاءـ أنا ورقة كُتب عليها الكثير.
هذا حال الناس جميعًا. يشبّه القدّيس إغناطيوس هذا الحال بحال من أراد أن يخدم الله ولديه مبلغ كبير من المال كان قد كسبه قبل أن يطلب خدمة الله. هو مثل "تركة" من حياته السابقة الفوضويّة. وهذا الإنسان متعلّق بالمال ولكنّه يريد ألاّ يكون متعلّقًا. كما قلنا هذا حال الناس جميعًا بشكل أم بآخر. يقول لنا إغناطيوس إنّ الناس هنا على ثلاثة أنواع:
الشخص الأوّل: يودّ لو أنّه يُقلع عن تعلّقه بما حصل عليه، لكي يهتدي بسلام إلى الله ربّنا ويستطيع أن يخلص، ولكنّه لا يتّخذ الوسائل الناجعة حتّى ساعة الموت.
الشخص الثاني: يريد أن يُقلع عن التعلّق، لكنّه يريد أن يقلع عنه مع احتفاظه بما حصل عليه، ذلك بأن ينزل الله عند إرادته من غير أن يقرّر الإقلاع فيذهب إلى الله، حتّى إن كان ذلك أفضل حالة له.
الشخص الثالث: يريد أن يُقلع عن التعلّق، لكنه يريد الإقلاع عنه على الوجه التالي: إنّه لا يتعلّق بالاحتفاظ بما حصل عليه أو بعدم الاحتفاظ به. ولكنّه يريد الاحتفاظ به أو الإقلاع عنه بحسب ما يضعه الله ربّنا في إرادته، وما يبدو أنّه الأفضل له في سبيل خدمة العزّة الإلهيّة وتسبيحها. وفي أثناء ذلك، يريد أن يعتبر أنّه له كل شيء في نفسه، ويجتهد في أن لا يريد لا ذلك ولا شيئاً آخر، إلاّ إذا دفعته إلى ذلك خدمة الله ربّنا فقط، فتكون الرغبة في إمكان خدمة الله ربنا على وجه أفضل هي التي تدفعه إلى الاحتفاظ به أو إلى الإقلاع عنه.
عن طريق التفكير بالأشخاص الثلاثة خارجًا عنّي أستطيع أن أتوصّل إلى كشف تعلّقات قلبي لكي يتجنّب القرارات الخاطئة ويصل إلى القرارات الّتي تعطي الحياة. هذا هدف التمرين، مثل هدف تمرين الرايتين أيضًا.
3. كيف تساعدني التمارين على اكتشاف مشيئة الله؟
لا ننسى أنّ الله يريد أن يكشف لي مشيئته أكثر ممّا أنا أريد أن أعرفها، وما يعيق ذلك هو تعلّقاتي. والله لا يفرض مشيئته فرضًا، بل يكشفها بأن يكشف لي رغبتي العميقة، الّتي هي أيضًا رغبته في خلاص العالم:
“The place God calls you to is the place where your deep gladness and the world’s deep hunger meet.”
Frederick Buechner, Wishful Thinking: A Theological ABC
"الله يدعوك إلى حيث تلتقي سعادتك العميقة مع جوع العالم الأعمق"
لذلك لدينا ثلاثة "أماكن" نجد فيها مشيئة الله: حياة يسوع، الله المتجسّد من أجل خلاص العالم؛ تمييز الأرواح الّذي يكشف لي تعلّقاتي؛ التأمّل في حياتي الّذي يكشف شيئًا فشيئًا رغبتي العميقة.
“God, grant me the serenity to accept the things I cannot change, The courage to change the things I can, And the wisdom to know the difference”Reinhold Niehbuhr
هب لي اللهمّ القناعة فأقبل ما لا أستطيع تغييره، والشجاعة فأغيّر ما أستطيع تغييره، والحكمة لأميّز بين الإثنين.
149 تأمّل في ثلاثة أشخاص لاعتناق ما هو أفضل
الصلاة: الصلاة التمهيدية كالعادة
150 المقدمة الأولى: الخبر وهو خبر ثلاثة أشخاص، كل واحد منهم حصل على عشرة آلاف ريـال بنية غير صافية، وليس حباً لله كما ينبغي (ولكن بصورة شرعيّة ونزيهة!). والأشخاص الثلاثة يرغبون في الخلاص والاهتداء بسلام إلى الله ربنا، وذلك بالتخلص من الحمل ومن المانع الناتج عن تعلقهم بما حصلوا عليه.
151 المقدمة الثانية: تصور المكان. هنا أرى نفسي أمام الله ربنا وجميع قديسيه، لكي أرغب وأعرف ما هو أكثر قبولاً في عيني صلاحه الإلهي.
152 المقدمة الثالثة: أطلب ما أريد. وهنا أطلب النعمة لكي أختار ما هو أوفق لمجد عزته الإلهية لخلاص نفسي.
153 الشخص الأول: يود لو أنه يُقلع عن تعلقه بما حصل عليه، لكي يهتدي بسلام إلى الله ربنا ويستطيع أن يخلص، ولكنه لا يتخذ الوسائل الناجعة حتى ساعة الموت.
154 الشخص الثاني: يريد أن يُقلع عن التعلق، لكنه يريد أن يقلع عنه مع احتفاظه بما حصل عليه، ذلك بأن ينزل الله عند إرادته من غير أن يقرر الإقلاع فيذهب إلى الله، حتى إن كان ذلك أفضل حالة له.
155 الشخص الثالث: يريد أن يُقلع عن التعلق، لكنه يريد الإقلاع عنه على الوجه التالي: إنه لا يتعلق بالاحتفاظ بما حصل عليه أو بعدم الاحتفاظ به. ولكنه يريد الاحتفاظ به أو الإقلاع عنه بحسب ما يضعه الله ربنا في إرادته، وما يبدو أنه الأفضل له في سبيل خدمة العزة الإلهية وتسبيحها. وفي أثناء ذلك، يريد أن يعتبر أنه له كل شيء في نفسه، ويجتهد في ألا يريد لا ذلك ولا شيئاً آخر، إلا إذا دفعته إلى ذلك خدمة الله ربنا فقط، فتكون الرغبة في امكان خدمة الله ربنا على وجه أفضل هي التي تدفعه إلى الاحتفاظ به أو إلى الإقلاع عنه.
156 ثلاث مناجيات: يقوم المتروّض بالمناجيات الثلاث التي قام بها في مشاهدة الرايتين السابقة.
حديث رقم 17
تذكير :
١ - هذه الرياضة مبنيّة على ٣ قناعات :
القناعة الأولى: الله يتكلّم ويريد أن يُشركني في ذاته، في حياته. هو يُبادر وأنا أقرّر. هو يريد هذه الرياضة أكثر منّي. ممكن أن تعود الأفكار الغريبة والمشوّهة عن الله والّتي تجعلني أعامله كإلهٍ وثنيّ.
القناعة الثانية: علاقتنا بالله هي العلاقة الـتأسيسيّة في حياتنا. قد يبدو هذا الموضوع بديهيًّا ولكنّ الواقع ليس كذلك. نشعر بأنّنا محبوسون في واقع وظروف تتملّكنا. كلّ هذا لأنّ علاقتنا الأساسيّة ليست مع الله. لنتذكّر دائمًا نصّ "المبدأ والأساس".
القناعة الثالثة: في حين أنّ الإنسان قادر أن يسمع صوت الله عندما يتكلّم، يستطيع أن يسمع أصوات كثيرة وكاذبة. من هنا الحاجة للتمييز. وبالرغم من أنّه يعرف أن الحزن هو نتيجة الكلمات الكاذبة، يصدّق هذا الحزن. القلب القاسي، مثلما سمّى يسوع قلوب تلاميذه، هو علامة على أنَّ قلب الإنسان مطبوع بالحزن.
٢ - لنعرف مشيئة الله لدينا ثلاث وسائل:
الوسيلة الأولى: وهي أن أتأمّل في حياة يسوع. كلّ حياة يسوع كانت علامة عن تحقيق مشيئة الله. كلّما أتقارب من يسوع ومن كلماته، أعرف بالقلب والعقل، مشيئة الربّ.
الوسيلة الثانية: تمييز الأرواح. عندما أعرف الـمَنطِقَين اللذَيْن يعملان في قلبي، أُصبح قادرًا على تمييز الفرح الحقيقيّ من الفرح الكاذب. هي معرفة لا أشعر بها في لحظتها بل أكتشفها بعد نيلها.
الوسيلة الثالثة: هو التأمّل والتآلف مع حياتنا الشخصيّة من خلال التأمّل في حياتي وفحص الضمير ومراجعة الخبرات.
الاختيار
رياضتنا تدخل الآن في مرحلة مهمّة: الاختيار. لدى البعض قرارات مهمّة. وممكن أنّه ليس هناك قرارات مهمّة لبعض الأشخاص. في حال لدينا قرارات مهمّة يمكن أن تأتي الاضطرابات.
ممكن أن نأخذ في هذه الفترة مقاصد غير واقعيّة، تأتي من كلمة "لازم" وهذه الكلمة ليست صوت الآب. صوت الآب يأتي من انفتاح داخليّ يجعلني أنمو وأكبر. المقاصد غير الواقعيّة تتطلّب قوّة الإرادة وهي تكره الزمن. ولذلك عندما تكون مقاصدنا ضدَّ الزمن لا تدوم. المقصد هو تغيير أضعه في حياتي لكي أجد الله أكثر. هذا المقصد لا يلزم قوّة الإرادة. القرار ليس في أن أعيش الاستقرار بل أن أرغب في المكان الّذي أتّحد بالله فيه أكثر. يجب أن تكون مقاصدنا مبنّية على اختبارنا مع الله.
ممكن أن يكون اختيارنا لفترة دائمة مثل الزواج أو الدعوة. وهذه القرارات هي بحاجة لأنّ تُمتحن أكثر ومن المفضّل أن يكون هناك اختبار زمنيّ لهذا القرار قبل الالتزام الدائم فيه.
الاختيار ليس في أن أجد المكان الّذي فيه أخدم الله بل أن أجد المكان الّذي أخدمه فيه أكثر. ولهذا أفتّش على دعوة الله لي، على المكان الّذي أجد نفسي حيًّا أكثر وسعيدًا أكثر.
كيف نختار؟
الطريقة الأولى: ممكن أن نكون منجذبين لقرارٍ معيَّن في وقت التأمّل أو في خارجه. ممكن أن يكون القرار واضحًا. ليس بالضرورة أن نرى أنوارًا وأنال دموعًا بل أشعر بميل واضح وبسلامٍ كبير. وعندما آخذ القرار أشعر بفرح وبسلام وكأنّي وجدت مكاني. يقول القدّيس اغناطيوس إنّ هذه الطريقة هي نادرة ولكنّ الله دعا بها بولس ومتّى. في حال عدم وجود هذا الانجذاب الواضح أنتقل إلى الطريقة الثانية.
الطريقة الثانية هي في مُراجعة الخبرات. مُراجعة أماكن الانبساط والانقباض. أستطيع أن أعرف أين قراري من خلال انبساطي. بهذه الطريقة لا أشعر بالانجذاب بل من خلال الانبساط وبعده يأتي تثبيت الاختيار وعندها أشعر بالانجذاب لقراري. في حال غياب الانبساط والانقباض، يسمّي القدّيس اغناطيوس هذه المرحلة الوقت الهادئ. في هذه الفترة نثق بفكرنا. عندها ننتقل إلى الطريقة الثالثة.
الطريقة الثالثة: أملأ جدولاً من أربع عواميد ويكون على الشكل التالي:
القرار الأوّل
|
القرار الثاني
| ||
ما الّذي يشجّعني
|
ما الّذي يصدّني
|
ما الّذي يشجّعني
|
ما الّذي يصدّني
|
بعدها أضع أمام الربّ اختياري وأطلب منه أن يثبّت قراري وعندها أختبر الانجذاب يكون الاختيار بحسب قلبي وليس بحسب عقلي فحسب. الانجذاب مهمّ لأنّه يُساعدني لكي أستمر في قراري.
الطريقة الثالثة بأسلوب مختلف: أقرأ المبدأ والأساس. أنا لا أريد أن أتعلّق في قرار "أ" أو قرار "ب" إلا لأجل ربّنا. وأريد وأطلب أن يكون الحبّ الّذي يدفعني آتيًا من فوق، من عند الله. وهنا أتخايل شخص آخر أريد أن أنصحه. القرار الّذي أنصحه به أطبّقه على حياتي. التخيّل الثاني وهو وكأنّي على فراش الموت وأسأل نفسي ماذا أتمّنى أن اخترت. والّذي أحبّ أن أختاره على فراش الموت أختاره لأنّه يكون خاليًا من الإغواء وتأخذ الأمور وزنها الحقيقيّ. التخيّل الثالث هو عندما أكون أمام الله في الدينونة وأفكّر ما القرار الّذي كان يجب أن آخذه، والّذي أجده آخذه.
في حال كان القرار واضحًا الأفضل أن نستشير المرافقين. وإن لم يكن كذلك، نختبر الطرق الّتي سبق وتكلّمنا عنها.
حديث رقم 18
اتّخاذ القرار يشبه الولادة. بالفعل نحن نولد لاسم جديد وواقع جديد. فالقرار مثل الجنين الّذي نتمخّض به. كثيرًا ما يشبه القرار هذا المخاض. كما حملت أليصابات جنينها تسعة شهور قبل أن تتمخّض به وتلده، كذلك زوجها زكريّا الصامت، يحمل الكلمات في باطنه تسعة أشهر لكي تكتمل قبل أن يلدها. في الباطن تتكوّن كلماتنا، ويتكوّن قرارنا. وهذه المسيرة تتضمّن مخاضًا. صورة المخاض موجودة بقوّة في الكتاب المقدّس. سأظهر ذلك بعد بضعة أسابيع. وظروف حياتنا الّتي تحمل هذا القرار تشبه أحشاء الأمّ. في هذه المرحلة الدقيقة سنطلب معونة العذراء، الأمّ، لكي تحمل قراراتنا المسيح إلى العالم، كما حملته أحشاؤها. القرار هو المسيح الآتي...
مكانة العذراء ليست هامشيّة. ربّما لا يذكرها الكتاب كثيرًا، لكنّه يذكرها في اللحظات الحاسمة. في إنجيل يوحنّا لا تُذكر بالاسم. هي أمّ يسوع في عرس قانا الجليل (الفصل 2)، وهي "الأمّ" على أقدام المصلوب (الفصل 19). في المرّة الأولى يتعجّب يسوع من كلامها: "لم تأتِ ساعتي بعد". ساعة يسوع هي ساعة الصليب. وكأنّ يسوع في كلماته يؤكّد أنّ دورها يظهر حين تأتي الساعة. عند ذاك لا يتعجّب من رؤيتها، بل يقول لها: "هذا ابنكِ". من هذا؟ هو التلميذ الّذي كان يسوع يحبّه. هذا التلميذ الّذي لم يُذكر اسمه، لكي يبقى في الإنجيل مكانًا فارغًا يملأه القارئ. هذا التلميذ هو من وضع رأسه على صدر يسوع. وراء الكلمات، يسمع قلب يسوع. هو الّذي يعرف من سيُسلم يسوع، وهذا ما لم يعرفه التلاميذ إلاّ عند حدوثه، أمّا القارئ فيعلم من قبل. وهذا القارئ هو من يستلم من يسوع هذه الكلمات: "هذه أمّك"، لكي يأخذها إلى بيته. الذي يقرأ ويفهم هو الّذي يأخذ الأمّ في بيته ليكون ابنها، مولودًا منها لحياة جديدة.
في إنجيل لوقا هي مثال التلميذ. "طوبى للبطن الّذي حملك وللثديين اللذين أرضعاك" تقول امرأة ليسوع فيجيب: "بل طوبى لمن يسمع كلمة الله ويعمل بها." هذه الطوبى هي أيضًا مكان فارغ لمن أراد أن يملأه. ونجد مريم مثال من استجاب، حتّى إنّ إصغاءها لكلمة الله أعطى لهذه الكلمة جسدها. في إنجيل لوقا اسم مريم هو ما تقوله أليصابات: "طوبى لمن آمنت بأنّ ما قيل لها من الله سيتمّ." لوقا هو الّذي كتب أعمال الرسل. نهاية "القصّة" هي في حلول الروح القدس على التلاميذ في العلّيّة، لكي تبدأ بعدها القصّة من جديد. ولكن في بداية القصّة يحلّ الروح نفسه على مريم: "ها إنّ الروح القدس يظلّلك". وقبل حلول الروح على الرسل، يختبرون القائم من بين الأموات الّذي يظهر فيهم بشكل حركة: تلميذا عمّاوس يسرعان إلى لقاء الرسل، النسوة يسرعن من القبر إلى عند الرسل، كما مريم بعد البشارة "تسرع" إلى أليصابات وتنشد نشيد الفرح. وقبل القيامة يعاني التلاميذ من فقدان الربّ ثلاثة أيّام، منذ اعتقاله حتّى قيامته. كذلك تفقد مريم الصبيّ يسوع ثلاثة أيّام وتبحث عنه إلى أن تجده "عند أبي" في الهيكل. وقبل فقدان الربّ نما التلاميذ في معرفة يسوع لأنّهم صحبوه وشاهدوه وتعلّموا منه وحفظوا كلماته، كما كانت مريم "تحفظ كلّ تلك الأمور وتتأمّل فيها في قلبها". مريم تعيش مسبقًا ما تعيشه الكنيسة لاحقًا. أتقول فيها العقيدة إنّها من حُبل بها بلا دنس؟ هذا ما تقوله الكنيسة في كلّ معمّد: ينال بالمعموديّة ولادة جديدة بلا دنس. هي من قامت إلى حياة الله بالنفس والجسد؟ هذا ما نحن جميعًا موعودون به في اكتمال القيامة. تنال مسبقًا ما نناله نحن لاحقًا. تُسمّى والدة الإله؟ ألسنا مدعوّين جميعًا لحمل الإله حين نسمع كلمته ونعمل بها؟
يقول أوريجانيس في مريم: "هي الّتي اختارت أن تكون مختارة". ما معنى هذا؟ هي الّتي قالت "هاءنذا" لاختيارها. نظنّ أنّ عرض الله كان واضحًا. نظنّ أنّ حرّيّة مريم هي أن تقول لا للملاك. من منّا قد يقول لا للملاك الّذي أمامه؟ مريم أمام اختيار أن ترى في حياتها الحدود والحتميّة أو أن ترى اختيار الله لها لتكون طريقًا له. تختار أن تراهن على الله، تختار أن تصدّق أنّ الله يعرفها، أنّه ينحني عليها، أنّه ينظر إلى تواضعها. تصدّق ما قاله الملاك: "ما من شيء مستحيل عند الله". بإيمانها تجعل المستحيل ممكنًا. تسمح لله بأن يكون الله من خلالها، سيّد المستحيل. نحن لا نقول لا للملاك الّذي نراه، ولكنّنا لا نعتبره ملاكًا بل وهمًا. نعتبر أنّ حياتنا خاضعة للقدر، للظروف، للآلهة الّتي يجب إرضاؤها، للنجوم. من "يؤمن" بالنجوم تسيّره النجوم. يراها تصحّ في حياته لأنّه يؤمن بها. من يخضع للظروف لا يعود يرى الإمكانيّات فيظنّ أنّه حقًّا لا حول له أمام الظروف. من يصمت أمام كلمات الآلهة الكاذبة يجعلها قادرة أن تفرض إرادتها فيظنّ أنّه لم يكن لديه خيار. إيمان مريم أنّها رأت الخيار. اختارت أن تكون مختارة لا خاضعة.
حتّى الله نفسه لا يستطيع أن يفرض عليّ أن أكون سعيدًا. أن أعاني حياتي أم أن أختارها هو مسألة قرار. أن تكون حياتي لعنة أم بركة، هذا هو القرار المعروض عليّ. الفرح مسألة اختيار. بالطبع نسأل: كيف أميّز ما إذا كنتُ حالمًا وغير واقعيّ حين أصدّق المستحيل، وما إذا كنتُ خاضعًا ويائسًا حين أتقبّل الواقع؟ هذا السؤال هو ما نميّز بشأنه. لو كان الجواب جاهزًا لما احتجنا إلى التمييز. بالطبع نحن معرّضون لأن نصدّق أيّ وسيلة تنسينا همّنا. هل يصير إدمان المخدّرات مثلاً "إيمانًا" لأنّه ينسيني واقعي؟ وهل إذا اخترت الواقعيّة أكون يائسًا خاضعًا للظروف؟ ما يساعدني في هذا التمييز هو كلمة الله. فأنا أميّز انطلاقًا من تأثير الكلمات عليّ. كلمة الله لها تأثير. قد أصدّق وقد لا أصدّق. وكلمات الكذب لها تأثير. كيف أعرف الصدق من الكذب؟ هذا هو تمييزنا. نقترح كلمات يسوع وحياته على أنّها صادقة، معيار الصدق. لا برهان لدينا. وعلى هذا المعيار نقيس حياتنا: ما يقودنا بالأكثر إلى ما هو شعور يسوع تجاه الآب، هذا هو تمييزنا.
لماذا يخضع الإنسان للأقدار؟ لماذا لا يختار بسهولة أن يكون مختارًا؟ لماذا لا تظهر كلمات الله صدقها منذ البداية؟ أليس لأنّنا نفضّل العبوديّة أحيانًا، خوفًا من الحرّيّة، أو طلبًا للراحة. هذا ما سمّيناه "الحنين إلى العدم" في بداية الرياضة. نستصعب أن نقبل اختيارنا لأنّنا لا نصدّق بسهولة أنّ واقعنا ليس سجنًا. لنتذكّر أيّوب: انتقل من اللعنة إلى البركة بعد مسيرة، بعد اختبار مع الله. سار تلك المسيرة لأنّه كان صادقًا مع نفسه. الصدق هو طريق التمييز. ليست إرادة الله في "نتيجة" التمييز، بل هي في طريق التحرّر الّتي نمشي فيها. ليست إرادة الله أن أكون راهبًا أو علمانيًّا، أن أهاجر أو أن أبقى في البلد، أن أقرّر هذا أم ذاك. إرادة الله هي أن أسير من حياة أعانيها إلى حياة أختارها.
كلّ قرار هو مشاركة في الخلق. قراراتنا هي قرارات بين خَير وخير. أَيْ عالم سينتج من خلال هذه القرارات؟ كلّ إنسان يستطيع أن يختار أن تكون حياته بركة أو أن يبقى في اللعنة. قراري يطال الله: هو البركة في حياتي، ومع ذلك لا يفرض عليّ البركة، ولكن يبذل نفسه لكي أومن. كلّ إنسان "يستحقّ" موت ابن الله مِن أجله. لا يستطيع أي إنسان أن يتّخذ القرار عن غَيره. يمكنني أن نجعل القرار أسهل أم أصعب، فقط.
تنبيهات:
- حين أدع القرار يأخذ نفسه، لأنّي لا أريد الالتزام بقرار، هذا بحدّ ذاته هو قرار. ولكنّه أسوأ قرار، لأنّي فيه أختار ألاّ أكون مختارًا. وعدم اختياري هو باختياري.
- على القرار أن يكون مبنيًّا على ما هو إيجابيّ: لا أقرّر شيئًا لأنّي لم أنجح في شيء آخر، بل أقرّر من أجل الوصول إلى شيء أرغب فيه. أمثلة: لا أترك الرهبنة لأنّي لستُ مرتاحًا (فكلّ طريق يحتوي على صعوباته) وإنّما أترك الرهبنة لأنّي أحبّ تلك المرأة. لا أطلب الرهبنة لأنّي لم أجد عريسًا، بل أطلب الرهبنة لأنّي أطلب التكرّس للمسيح. حين أترك شيئًا، أتركه من أجل الأفضل. المسيح يدعونا إلى ترك كلّ شيء من أجل اللؤلؤة الثمينة، وبولس يعدّ كلّ شيء نفاية ليربح المسيح "الكنز الأعظم". وإلاّ يصير تركنا حرمانًا، والحرمان يولّد التعويض، وندخل في الحزن.
- القرار المبنيّ على الخوف لا يبني شيئًا. الخوف شعور، والشعور يجب الإصغاء إليه، لا طاعته. الشجاع ليس من لا يخاف، بل من لا يقرّر بناء على خوفه.
- القرار السطحيّ لا يحرّر. القرار الّذي يبحث عن الراحة بأيّ ثمن هو خضوع مخفيّ.
ليست قيمة القرار بنتائجه بل بدوافعه، فالنتائج ليست بيدنا أمّا الدوافع الّتي نختار أن نجعلها تقودنا إلى قرار فهي بيدنا.
كلّ هذا يوصلنا إلى موقف الاحترام:
١ - احترام الله: هو يدعوني لأخلق العالم معه. هو جريء لأنّه يعطيني القدرة لكي أحوّل العالم من لعنة إلى بركة. حتّى هو، لا يستطيع أن يجبرني على أن أفرح. نحتاج إلى احترام كبير أمام الله وأمام هذه الحريّة. الله يبقى لي سرًّا. من الـمُهمّ جدًّا أن نبدأ بهذا الاحترام عندما نصلي.
٢ - احترام ذاتي: لأنّي أحترم الله علي أن أحترم مخلوقاته وأوّلهم أنا. نحن نحتقر ذاتنا كثيرًا. أعطانا الله قدرة على أن نقول كلمة حكم في الخلق إذا كان بركة أو لعنة. لدينا هذه القدرة ولا نحترمها.
٣ - احترام الآخر: الآخر هو مرآة لي. إذا لم أحترمه بلا سبب وفقط لأنّه هو هو، لا أستطيع أن أحترم نفسي لأنّني أنا أنا.
٤ - احترام ظروفي: نحتقر الظروف عندما نعيش في كلمة "لو". ظروفي هي الطريق الّتي اختارها الله لكي يصل إليّ. ظروف مار بطرس مختلفة عن ظروف مار بولس.
٥ - احترام كلّ الخليقة: كلّ خليقة تُساعدني لأصِل إلى الله. مُمكن أن تُبعِدُني عنه أو تقرّبني إليه وهذا يعتمد على قراري. القدّيس إغناطيوس يتكلّم عن "التواضع المحبّ" أمام الخليقة.
حديث رقم 19
تمييز الأرواح
سبق لنا أن تكلّمنا عن تمييز الأرواح في المرحلة الأولى من الرياضة. الآن علينا أن نعمّق الكلام.
نحن نتلقّى كلمات مختلفة، من محيطنا، من داخلنا، كلمات مختلفة تترك فينا أثرًا في شعورنا الّذي هو مكان حيويّتنا، وتصير دافعًا لقراراتنا وتصرّفاتنا. تضعنا الكلمات على "موجة" معيّنة، فننظر إلى أنفسنا وإلى العالم بحسب هذه الموجة. ولكن هل تصدق الكلمات؟
لا نستطيع دائمًا أن نقيس هذه الكلمات بمقياس العقل. يمكننا ذلك، ولكن إلى درجة محدودة. من يصدق أكثر، المنجّم الّذي يقول لي برجي ويدعوني إلى تصديقه أم الكاهن الّذي يقول لي أن أومن بما لا أراه ويدعوني أيضًا إلى تصديقه؟ إذا صدّقت المبرّج أرى كلماته تصدق في حياتي، لا لأنّها صادقة بل لأنّي على موجته، وكذلك إذا صدّقت الكاهن أرى كلماته تصدق، ربّما للسبب نفسه. ما الّذي يجعلني أصدّق أنّ الكاهن ليس مبرّجًا من نوع آخر؟ هكذا يفكّر العالِم والفيلسوف، وكلاهما يجد لنفسه موجة تحمله فيرى أنّ أفكاره صادقة. بالطبع، الحوار والجدال يسمحان بتبادل وجهات النظر وبالتأثير المتبادل، ولكن حين أصل أمام القرار، حيث أنا مسؤول عن تصرّفاتي، وما من أحد يستطيع أن يأخذ مكاني، وحيث تبدأ الكلمات بالتلاعب بي: "افعل هذا؛ اعمل هذا" ولكن من يكلّمني قادرًا أن يعدني بشيء، حين أصل إلى هذا المكان الوحيد حيث أريد أن يأخذ أحد القرار عنّي أو معي، ليس لي سوى أن آخذ موقفًا. حتّى ولو امتنعت عن أخذ القرار، فهذا قرار، وأنا أعلم أنّي مسؤول عنه. الزمن لا يعود إلى الوراء، ولا يتوقّف، وفي حياتنا أشياء كثيرة هي نهائيّة، لا رجعة عنها. فقراراتي تحدّد من أنا ومن سأكون. وعدم اتّخاذ القرار يحدّدني بالطريقة نفسها، فمن أريد أن أكون؟
الإيمان المسيحيّ هو "موجة" من الموجات. ليس لي عليه برهان، وأمام تصديقه أم عدم تصديقه أنا وحدي أقرّر وليس من يأخذ القرار عنّي. إن أصغيتُ إليه يعدني بالقدرة على الحبّ، ويظهر لي إنسانًا أحبّ، هو المسيح، ويعدني بأنّه يجعلني مثله. لا يستطيع الكاهن أن يعدني بشيء أساسيّ، أمّا كلمة الله فتعدني بكلّ شيء. لا أجد لها ضمانًا في العالم، لأنّ لو كان لها ضمان، لكان الضمان أصدق منها ولما عادت "كلّ شيء". لو فرضت نفسها فرضًا عليّ لكانت تنكر نفسها لأنّها ترفض أن تكون أمرًا واقعًا مفروضًا عليّ فيما هي تعدني بالحرّيّة. فهي تأتي إليّ كلمة من ضمن كلمات أخرى وتنتظر بتواضع أن أصدّقها.
لكلمة الله تأثير على شعوري، مثل كلّ الكلمات. ما يقوله الإيمان المسيحيّ هو أنّ تأثير كلمة الله هو الحرّيّة والفرح والحبّ. حين أسير في اتّجاه يناقضها، أي نحو اشتهاء العبوديّة، نحو ترك دعوتي إلى الحبّ الأكمل مكتفيًا بحبّ أقلّ أو حتّى ضدّ الحبّ، يكون وقعها عليّ مُتعِبًا: أشعر بالخطأ، أختبر الحزن. فهي بحسب الإيمان المسيحيّ الكلمة الخالقة، وبالتالي لي معها علاقة خاصّة غير الكلمات الأخرى: إن تركتها لا تتركني، وإن رفضتها لا ترفضني، وإن احتقرتها لا تحتقرني. لهذا هي لا تهملني حين أبتعد عنها، بل تزعجني، تكشف لي فراغ حياتي، تعاتبني. بل أجد نفسي في حيرة مستمرّة، وكأنّ ما صدّقته غير قادر على إشباعي، وهذا طبيعيّ لأنّ ما من شيء يشبع الإنسان إلاّ ما يتوافق مع طبيعة الإنسان: "خلقتنا لك يا ربّ، وقلبنا لن يرتاح إلى أن يستقرّ فيك" (القدّيس أغسطينوس). ومع ذلك، أشعر أنّ صوتًا آخر يشجّعني على تجاهل كلمة الله، كأنّه يريدني ألاّ أنظر إلى حزني، أو إذا نظرتُ إليه، يريدني أن أقتنع أنّ لا مهرب لي منه. هذا الصوت الآخر الّذي يريدني أن أنسى وأتجاهل كلمة الله، أسمّيه العدوّ.
ولكن حين أسير باتّجاه كلمة الله، يكون وقعها عليّ معزّيًا، يعطيني حبًّا شديدًا وفرحًا وحرّيّة لم أتذوّق مثله في أيّ طريق آخر. ومع ذلك فالصوت الآخر لا ينفكّ يحاول إبعادي عن طريقي، فيحاول إضعاف فرحي بأفكار الشكّ ويستخدم جروح ذاكرتي ليقنعني أنّ فرحًا مثل هذا ليس حقيقيًّا، وأنّي موهوم، وعلى قدر ما يجد عندي قبولاً لأفكاره يزيد من حدّتها فأشعر بالظلمة والحزن، وأظنّ أنّي فقدتُ كلّ شيء.
كلّ هذا يقوله لي الإيمان المسيحيّ. قد أختار تصديقه كما قد أختار عدم تصديقه. قد أقول "هذا وهم وضلال" وقد أجد أسبابًا كثيرة تدعم قولي، لكنّ لا شيء يستطيع أن يلغي أنّ هذا قرار، قراري، صنع يدي. قد يقول البعض: "كثيرون من غير المسيحيّين يحيَون فرحًا وحبًّا وحرّيّة وهذا ينفي كلام الإيمان المسيحيّ". هذا غير صحيح. الإيمان المسيحيّ يقول إنّ كلمة الله وحدها تعطي الفرح والحبّ والحرّيّة بشكل أصيل، ولكنّه لا يقول إنّ الإيمان المسيحيّ يعطيه. كلمة الله تصل إلى كلّ إنسان لأنّها خلقت كلّ إنسان. ويقول الإيمان المسيحيّ أيضًا أنّ كلمة الله لها تاريخ مع البشر، وأنّ المسيح هو قمّة هذا التاريخ، ولكنّه لا يقول إنّ المسيحيّ هو قمّة الإنسانيّة. بسبب الكلمات الكاذبة يصير تاريخنا خلطًا عجيبًا فيظهر الخير كأنّه شرّ والشرّ كأنّه خير، ويظهر المسيح للبعض أنّه دجّال، فإن رفضوا المسيح لأنّه في نظرهم دجّال وهم في ذلك مخطئون ولكن عن صدق، أليس ذلك أفضل من قبولهم إيّاه عن كذب؟ لذلك قال يسوع: "من قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له، أمّا من قال على الروح القدس، فلن يٌغفر له لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة." (متى 12: 32).
ما يعطيني إيّاه الإيمان المسيحيّ هو تمييز الأصوات والكلمات، أو تمييز الأرواح كما يقول يوحنّا: "لا تركنوا إلى كلّ روح، بل اختبروا الأرواح لتروا هل هي من عند الله." (1يو 4: 1). فإذا قبلنا ما قيل حتّى الآن، إليكم قواعد لتمييز الأرواح.
لمن يسير باتّجاه دعوة الله، تعطيه كلمات الله انبساطًا. ما هو الانبساط؟ له هذه الأوصاف:
1. قد يأتي بشكل حبّ مضطرم، يأخذ بمجامع القلب وينتزع الإنسان من الحبّ الأنانيّ، فيحبّ الله فوق كلّ شيء وفي كلّ شيء، ويحبّ الخليقة نفسها لشدّة حبّه الخالق.
2. قد يأتي بشكل تأثّر عميق ودموع فيّاضة، لأجل حبّ الله المرفوض في العالم أو لأجل حبّ الله لي وأنا غافل عنه.
3. قد يأتي بشكل هادئ، يملأني سلامًا وعذوبة، ويزيدني إيمانًا ورجاء وحبًّا، كما يكشح الظلمات عن عقلي فأفهم سرّ الله فهمًا أوفى ولو بغير كلمات أحيانًا.
في كلّ الأحوال، خبرة الانبساط هي خبرة "اتّصال"، أجد فيها الله بسهولة وأشعر بحضوره. لذلك من علامات الانبساط أنّ وقت الصلاة يمرّ بسرعة، ومشاعري تستجيب بسهولة للكلمات الإلهيّة، سواء الّتي أسمعها في قلبي أو الّتي أقرأها في الكتاب، أو الّتي يقولها غيري.
ملاحظة: ليس الانبساط فرحًا "نفسيًّا": قد أكون سعيدًا بنجاح حقّقته، أو بهديّة تلقّيتها، أو لأنّي مرح وسعيد بطبعي، لكنّ شعوري الروحيّ لا يستجيب لكلمات الله. حينها أنا لست بانبساط روحيّ. لا يعني ذلك أنّ فرحي كاذب أو أنّه لا يرضي الله، بل هو ليس ما أتكلّم عنه. وعلى النقيض: قد أكون حزينًا أو غاضبًا أو مكتئبًا ولكنّ كلمة الله تجد طريقها بسهولة إليّ فأعيش حزني وغضبي وحتّى اكتئابي بإيمان ورجاء وحبّ، فحينها أنا في انبساط ولو كنتُ نفسيًّا وجسديًّا في حالة غير مبهجة.
لمن يسير باتّجاه الله يحاول العدوّ – من خلال الأفكار المختلفة – أن يصدّ انبساطي. فيعرض أسبابًا كاذبة للحزن والقلق، ويسبّب فيّ الانقباض. الانقباض هو عكس الانبساط، فهو حالة من عدم الاتّصال، من الانفصال، فيه لا أستطيع مهما حاولت أن أستعيد الشعور الروحيّ بكلمة الله بشكل تذوّق وسعادة. هو زمن جهاد وحرب، تصير فيه الأفكار الكاذبة أكثر مصداقيّة عندي من كلمة الله.
حين أكون في الانقباض، يصعب عليّ أن أكمل وقت الصلاة، وتكثر التشتّتات، وتكثر التجارب. أميل إلى الحبّ الأرضيّ الأنانيّ وأنسى من أنا.
حين أكون في الانبساط عليّ ألاّ أتملّكه كما لو كنتُ بلغتُ الكمال، بل أقبل "زيارة" الله هذا وأشكره عليها وأستفيد منها لأتجاوز نفسي وأنمو. أتذكّر الانقباض لأشكر الله على أنّه خلّصني منه ولأتّضع أمامه محضّرًا نفسي لعودة الانقباض.
حين أكون في الانقباض عليّ بالصبر والانتظار، متذكّرًا الانبساط الماضي وكاشفًا الكذب في الأفكار الّتي تراودني. لا أرفض انقباضي، بل أتذكّر أنّه لن يطول، وحتّى لو طال، أقول للربّ: "من أجلك أحتمل الإهانات".
حين أكون في الانقباض تسألني أفكاري: "أين إلهك؟"، فعليّ أن أفهم لماذا يسمح الله بالانقباض.
1. ليعلّمني القتال. أحيانًا أتمادى في الاتّكاليّة وأتراخى في حبّ الله والقريب، فالانقباض يجعلني أتذكّر أنّنا في صراع ضدّ الأفكار الكاذبة.
2. ليعلّمني الحبّ. ما يريده الله هو أن أصير مثله قادرًا على الحبّ المجّانيّ. فلو أحببتُ الله في الانبساط هل أحبّه في الانقباض؟ هل حبّي حقيقيّ إذا كان مرتبطًا بالمشاعر الفيّاضة؟
3. ليعلّمني الحقيقة، أي التواضع. بدون الانقباض قد أظنّ أنّ الانبساط نابع من استحقاقاتي، فأحتقر الآخرين، أو آتٍ من صنع يديّ وبالتالي قد يكون وهمًا. حين أرى في الانقباض أنّي مهما فعلتُ لا أستطيع أن أهب نفسي الانبساط أفهم أنّ الانبساط عطيّة من الله، فلا أحتقر غيري، ولا أشكّ في اختباري.
عليّ أن أتذكّر: العدوّ ضعيف لا قوّة له سوى الّتي أعطيه إيّاها أنا... فإن واجهته بحزم تراجع بسرعة، وإن قاومته بتراخٍ ازداد صراخًا. وهو يريد أن تبقى أفكاره سرّيّة لأنّها لا تغشّ إلاّ من يسمعها في قلبه، أمّا إذا تكلّم بها فيكتشف هو نفسه كذبتها، أو يكشفها له من يحاوره، خصوصًا إن كان يفهم في أمور تمييز الأرواح.
ملاحظة مهمّة: حين أتقدّم في الحياة الروحيّة يحاول العدوّ أن يغشّني بأن يعطي هو نفسه أفكار انبساط
في الواقع يمكننا أن نميّز بين نوعين من الانبساط. الّذي يأتي عن طريق الأفكار، والّذي يأتي مباشرة في الشعور. حين يأتي الانبساط مباشرة في الشعور، أي بدون أن أحاول رفع شعوري نحو الله، يكون الانبساط من الله، فوحده الله يقدر أن يلمس شعوري مباشرة. أمّا حين يأتي الانبساط عن طريق الأفكار، أي بعد أن أحرّك نفسي نحو الله أجد أحيانًا أفكارًا غزيرة تقودني إلى نشوة الانبساط، فهذا انبساط يأتي إمّا من الله وإمّا من الشرّير. قد يأتي من الله ليدعم جهدي ويجعلني أنمو في الحياة الروحيّة. وقد يأتي من الشرّير الّذي يقلّد صوت الله على قدر ما يستطيع، ولكن لكي يبعدني شيئًا فشيئًا عن حبّ الله. فهو يسير معي باتّجاه الله، ثمّ يضيف أفكارًا صالحة، فأقلّ صلاحًا حتّى يبلغ بي إلى الابتعاد عن الانبساط.
هدف الشرّير من الانبساط الكاذب هو أن يصل بي إلى ما هو سيّء، وإن لم ينجح يسعى إلى أن أعدل عمّا هو صالح، وإن لم ينجح يسعى إلى أن أقوم بما هو صالح لكن أقلّ صلاحًا من القصد الأوّل، وإن لم يستطع يسعى إلى إقلاقي لكي أقوم بما قصدته ولكن بدون الانبساط.
أحيانًا لا أنتبه كفاية إلى مشاعري وأتبع سير أفكاري كما هو. حين أكون أمام قرار عليّ أن أنتبه إلى مشاعري لأنّها تفضح لعبة الشرّير. فإذا أوصلني سير أفكاري إلى ما هو أقلّ صلاحًا من البداية، فلأعلم أنّ العدوّ يحاول إبعادي عن فرحي.
كثيرًا ما لا أكتشف لعبة الشرّير إلاّ حين أصل إلى شيء من القلق والاضطراب، حينها يجب أن أراجع سير أفكاري لكي أعلم كيف تسلّل العدوّ إلى أفكاري وكيف أوصلني إلى القلق، فأتعلّم من خبرتي كيف أفضحه في المستقبل. من المفيد أن أدوّن ما تعلّمته.
لكي أضمن أن أشعر بالشرّير من بداية تأثيره قدر الإمكان، أضع أمام عينيّ دائمًا المسيح ورغبتي في التشبّه به، وأطلب النعمة أن أكون مثله في كلّ شيء، متخلّيًا عن كلّ رغبة لا يهبها هو لي، وإن كانت صالحة أو حياديّة، وهكذا فإن حاول الشرّير الدخول في أفكاري، أشعر بالنشاز وأحترس منه.
أحيانًا يأتي الانبساط "بلا سبب"، أي مباشرة في الشعور، وهو من الله ولا غشّ فيه، ولكن حين يعبر عنّي عمل الله الّذي سبّب هذا الشعور، يبقى الإنسان في حالة من الانبساط، ويبدأ باستقبال الأفكار المرافقة للانبساط، وهنا يستعيد العدوّ قدرته على التدخّل، فعلينا أن نميّز بين ما نناله في انبساط بغير سبب من توجّهات، وبين ما نناله في أفكارنا من قرارات بعد ذلك لكي نفحص قراراتنا قبل تنفيذها.
ثلاث درجات من الاقتداء بيسوع
لكي أتآلف مع يسوع، لديَّ ثلاث درجات من الاقتداء بيسوع، من القداسة، أو من التواضع:
تجدر الـمُلاحظة أوّلاً على أنَّ التواضع هو أن أقبل أنّني لست مصدر نفسي بل إنَّ الله مصدر حياتي. الإنسان المتواضع قادر أن يضع الله في المرتبة الأولى.
الدرجة الأولى من التواضع: هو أن أستطيع أن أضع كلمة الله في حياتي إلى حدّ ألّا أقبل أن أفعل أيّ خطيئة مميتة. أي ألا أمشي بعكس إرادة الله. لا أرضى أن أخالف، عن قصد، كلمة الله. لا أرضى أن أخالف كلمة الله حتّى ولو كانت حياتي في خطر. كلمة الله هي مصدر حياتي الأساسيّة لأنَّ حياتي الّتي هي في خطر هي للزّوال. لا أقبل أن أتخلّى عن الله حتّى لو اُعطيتُ سلطانًا على الأرض كلّها. الآب أوّلاً لو مهما حصل. هو أعظم من حياتي الزمنيّة، هو وحده مصدر الفرح. فرحنا لا يأتينا من سلطان الأرض بل من الآب.
الدرجة الثانية من التواضع: حتّى لو لم يكن عليّ وصيّة، لا أرغب ولا أختار إلاّ ما يُزيد علاقتي مع الله. هذه الدرجة هي في طلب المزيد. الآب ليس أوّلاً فقط بل هو كلّ شيء ولذلك لا أرضى بخطيئة عرضيّة. لا أتواطأ مع الشرّ الّذي يتواجد في داخلي لأنَّ قلوبنا تحتوي على الحزن والاستسلام. هذه الدرجة أقوى من الأولى ويمثّلها يسوع. من يريد أن يجد إرادة الله في حياته عليه أن يشتهي هذه الدرجة. هنا الاختيار بين خَيْرَيْن وليس بين الخير والشرّ.
الدرجة الثالثة من التواضع: الآب وحده. عندما أشتهي مصير الآب في هذا العالم. مصير الآب هو الرفض والتجديف. يسوع هو الصورة الأكمل: الله هو حبٌّ مرفوض ومصلوب. هذه الدرجة تدفعني لأنّ أرغب هذا المصير ليس حبًّا بالظلم والألم (Masochisme). هي أن أشتهي أن تكون حياتي وسيلة لله في العالم ليقول من هو. أحبّ أن أنزعج وأتوجّع أن أرى إلهي مُهانًا وأنا مُكرَّم، أتوجّع أن أرى إلهي في الخارج تحت المطر وأنا في الداخل أتمتّع بالدفء. هذه الدرجة تأتي بعد الدرجة الثالثة. عيش الذلّ ليس ضروريًّا في حال اشتهيت هذه الدرجة. الرغبة في هذه الدرجة تحضّرني لكي أتقبّل كلّ ظرف. مَن يُريد أن يتبع المسيح عليه أن يرغب في هذه الدرجات.
حديث رقم 20
1. من الممكن أن نكون نسينا أمورًا كثيرة أو لم نفهم بعض الأمور في هذه الرياضة. لا نقلق. نحن كمن يتعلّم رقصة، مرحلة بمرحلة. الرياضة هي مثل هذه الرقصة. نتدرّب على حركات حتّى نتعلّم الرقصة بالكامل. بالمرحلة الأولى تعلّمنا حركة التوبة، والحركة الثانية هي في القرار. نتعلّم الحركات ولكنّنا لا نرقص بعد. سيأتي وقت أيضًا لكي نسمع الموسيقى ونركّز على الحركات. سيأتي يوم من دون أن نخطّط ويقولون لنا أنّنا نرقص من دون أن نركّز.
2. كلّ قرار آخذه من منطلق المسيح له ثلاثة مستويات. في كلّ قرار قرار أعمق يجعله قرارًا مسيحيًّا.
المستوى الأول: كلّ قرار هو انعكاس لوجودي، لكلمة هاءنذا. كلّ قرار لا يعطي الفرح، لا يكون مسيحيًّا أي بحسب مشيئة الله. كلّ قرار مسيحيّ هو قرار محرّر من تأثير الآلهة، من اختبار الواقع كسجنٍ لي. الأساس لكلّ قرار أن يكون بحسب مشيئة الله، بحسب كلمة هاءنذا. مثلاً: إذا دخلت الدير لهدف غير الله لا يكون قراري مسيحيًّا، يجب أن يكون الله في الأول. الكلمة التأسيسيّة هي في نصّ المبدأ والأساس (خُلق الإنسان ليُسبّح الله...). مشيئة الله تحرّرني من الدوافع غير السليمة. القرار هو مسيرة حريّة وتحرّر. لا يكمن اختبار الله بأن أدخله كعنصر في قراري بل مسيرة حرّيّة.
المستوى الأوّل يوصلني إلى المستوى الثاني: أن أقول هاءنذا مع المسيح ولمشروعه. ليس جميع الناس على اضطرار أن يكون مشروعهم مع مشروع المسيح. الإنسان على هذا المستوى لا يكتفي بأن ينال حرّيّة يسوع فقط بل يريد أيضًا أن يخدم هذه الحرّيّة. هناك أشخاص في الإنجيل لم يكتفوا بالحريّة بل استعملوها لكي يخدموا بها الله، هؤلاء تبعوا المسيح. في هذه المرحلة، وبعد تحرّري من الأصنام الّتي اخترتها يباركني الله وبما أنّني أريد أن أضع حرّيّتي في تصرّف المسيح، أقدّم للربّ حرّيّتي من جديد. أريد أن اختار ما يختاره المسيح وهنا أفتش عن مشيئة الله. وعندها تصبح مشيئة الله لي لا طريق تحرّر فحسب بل طريق يسوع وأشعر هنا أنّني أنا محتاج ومضطرّ لهذا القرار. ولكي أعرف ما يريد الله منّي، يضع مشيئته في داخل إرادتي ويساعدني على اختيار المكان الّذي يريده، من خلال تمييز الأرواح. في هذه المرحلة، نختبر مشيئة الله لا طريق تحرّر فحسب، بل أيضًا طريقًا محدّدًا، وذلك بناء على طلبي. النوع الثاني لا يناقض الأوّل. الله يحترم دائمًا التحرّر الّذي يُعاش في المرحلة الأولى. ممكن أن نختبر في هذا المستوى خوفًا من مشيئة الله لأنّها تغلب مخاوفنا.
أمّا المستوى الثالث فهو تنفيذ القرار. القرار الّذي لا يدخل في التنفيذ ليس قرارًا مسيحيًّا.
3. لكي أتآلف مع يسوع، لديَّ ثلاث درجات من الاقتداء بيسوع، من القداسة، أو من التواضع:
تجدر الـمُلاحظة أوّلاً على أنَّ التواضع هو أن أقبل أنّني لست مصدر نفسي بل إنَّ الله مصدر حياتي. الإنسان المتواضع قادر أن يضع الله في المرتبة الأولى.
الدرجة الأولى من التواضع: هو أن أستطيع أن أضع كلمة الله في حياتي إلى حدّ ألّا أقبل أن أفعل أيّ خطيئة مميتة. أي ألا أمشي بعكس إرادة الله. لا أرضى أن أخالف، عن قصد، كلمة الله. لا أرضى أن أخالف كلمة الله حتّى ولو كانت حياتي في خطر. كلمة الله هي مصدر حياتي الأساسيّة لأنَّ حياتي الّتي هي في خطر هي للزّوال. لا أقبل أن أتخلّى عن الله حتّى لو اُعطيتُ سلطانًا على الأرض كلّها. الآب أوّلاً لو مهما حصل. هو أعظم من حياتي الزمنيّة، هو وحده مصدر الفرح. فرحنا لا يأتينا من سلطان الأرض بل من الآب.
الدرجة الثانية من التواضع: حتّى لو لم يكن عليّ وصيّة، لا أرغب ولا أختار إلاّ ما يُزيد علاقتي مع الله. هذه الدرجة هي في طلب المزيد. الآب ليس أوّلاً فقط بل هو كلّ شيء ولذلك لا أرضى بخطيئة عرضيّة. لا أتواطأ مع الشرّ الّذي يتواجد في داخلي لأنَّ قلوبنا تحتوي على الحزن والاستسلام. هذه الدرجة أقوى من الأولى ويمثّلها يسوع. من يريد أن يجد إرادة الله في حياته عليه أن يشتهي هذه الدرجة. هنا الاختيار بين خَيْرَيْن وليس بين الخير والشرّ.
الدرجة الثالثة من التواضع: الآب وحده. عندما أشتهي مصير الآب في هذا العالم. مصير الآب هو الرفض والتجديف. يسوع هو الصورة الأكمل: الله هو حبٌّ مرفوض ومصلوب. هذه الدرجة تدفعني لأنّ أرغب هذا المصير ليس حبًّا بالظلم والألم (Masochisme). هي أن أشتهي أن تكون حياتي وسيلة لله في العالم ليقول من هو. أحبّ أن أنزعج وأتوجّع أن أرى إلهي مُهانًا وأنا مُكرَّم، أتوجّع أن أرى إلهي في الخارج تحت المطر وأنا في الداخل أتمتّع بالدفء. هذه الدرجة تأتي بعد الدرجة الثالثة. عيش الذلّ ليس ضروريًّا في حال اشتهيت هذه الدرجة. الرغبة في هذه الدرجة تحضّرني لكي أتقبّل كلّ ظرف. مَن يُريد أن يتبع المسيح عليه أن يرغب في هذه الدرجات.
تمييز الأرواح بحسب القدّيس اغناطيوس
قواعد
للشعور والتعرُّف – بشكل من الأشكال – إلى ما ينشأ في النفس
من مختلف التأثّرات لقبول الصالحة منها ورفض السيّئة
314 القاعدة الأولى: من عادة العدوّ إجمالاً أن يعرض الملذّات الظاهرة على الّذين يسيرون من خطيئة مُميتة إلى خطيئة مميتة. فهو يحملهم على تصوّر المُتع والملذّات الحسّيّة ليزيدهم استمراراً ونموَّاً في رذائلهم وخطاياهم. مع هؤلاء، يتصرَّف الروح الصالح بعكس ذلك، فهو يُوخِزهم ويلسع ضمائرهم بشريعة الُّرشد الطبيعيّة.
315 القاعدة الثانية: أمّا مع الذين يتقدّمون تقدُّماً حثيثاً في تطهير نفوسهم من الخطايا ويرتقون من حسن إلى أحسن في خدمة الله ربّنا، فالتصرُّف هو على عكس ما ورد في القاعدة الأولى. فمن شأن الروح الشرّير أن يَلسع ويُحزن ويضع العقبات، مُثيراً القلق بدواع ٍكاذبة، لِيمنع من السير قُدُماً. ومن شأن الروح الصالح أن يهب الشجاعة، وأنواع القوّة والانبساط، والدموع والإلهامات والراحة، مخفِّفاً ومذلِّلاً جميع العقبات، للسيرِ قُدماً في عمل الخير.
316 القاعدة الثالثة: في الانبساط الروحيّ. أُسمّي انبساطاً تلك الحالة التي فيها ينشأ في النفس تأثّر باطنيّ يحمل النفس على الاضطرام حبّاً لخالقها وربّها، وبعد ذلك فلا تعود تستطيع أن تحبّ أيّة خليقة على وجه الأرض لذاتها، بل في خالق جميع هذه الأشياء.
وكذلك فهذا شأن النفس التي تذرف دموعاً تحملها على حبّ ربّها، وذلك بسبب التوجّع على خطاياها أو على آلام المسيح ربّنا، أو بسبب أُمور أخرى مُنظَّمة باستقامة في سبيل خدمته وتسبيحه.
وأخيراً أُسمّي انبساطاً كلّ ازدياد في الرجاء والإيمان والمحبّة، وكلّ ابتهاج باطنيّ يدعو ويجذب إلى الأمور السماويّة وإلى الخلاص الخاصّ بالنفس، ويمنح السكينة والسلام في خالقها وربّها.
317 القاعدة الرابعة: في الانقباض الروحيّ. أسمّي انقباضاً عكس القاعدة الثالثة تماماً، كظلام النفس والاضطراب الباطنيّ والتأثّر بالأمور الدنيئة والأرضيّة، وعدم السلام بسبب مختلف الاضطرابات والتجارب، مِمّا يدفع إلى فقدان الثقة والرجاء والحبّ، فتكون النفس كسلانة فاترة حزينة، وكأنّها منفصلة عن خالقها وربّها.
وكما أن الانبساط هو عكس الانقباض، كذلك فإنّ الأفكار الناشئة عن الانبساط هي عكس الأفكار الناشئة عن الانقباض.
318 القاعدة الخامسة: وفي وقت الانقباض، يجب الامتناع الكلِّيّ عن التغيير، والمحافظة الحازمة الثابتة على ما كان عليه الإنسان من مقاصد وقرار في اليوم السابق للانقباض، أو على ما كان عليه من قرار في أثناء الانبساط السابق. فكما أنّ الروح الصالح هو الذي يهدينا وينصحنا في الانبساط، كذلك الروح الشرّير في الانقباض: فبسبب نصائحه لا نستطيع أن نسلك طريق النجاح.
319 القاعدة السادسة: إذا وجب علينا في الانقباض ألاّ نغيِّر مقاصدنا الأولى، فإنّه من المفيد أن نغيِّر أنفسنا بعزم أمام هذا الانقباض، وذلك مثلاً بأن نزداد ترسُّخاً في الصلاة والتأمُّل، وفي فحص الضمير الدقيق، وفي الإكثار – بقدرٍ مناسب – من ممارسة التوبة.
320 القاعدة السابعة: مَن كان في حالة الانقباض، وجب عليه أن يعتبر كيف أنّ الربّ تركه على قواه الطبيعيّة ليمتحنه، حتّى يقاوم مختلف اضطراب العدوّ وتجاربه؛ فهو قادر على ذلك بعون الله المضمون له دائماً، وإن كان لا يشعر به بوضوح. فالربّ قد سحب منه عظيم حرارته ووافر حبّه وغزير نعمته، ولكنّه ترك له النعمة الكافية لخلاصه الأبديّ.
321 القاعدة الثامنة: مَن كان في حالة الانقباض، ليعملْ جاهداً على الثبات في الصبر، فالصبر يناقض ما يصيبه من المضايقات. وليفكِّر أنّ الانبساط لن يلبث أن يعود، إنِ استعمل الوسائل التي تقاوم الانقباض هذا، كما ورد في القاعدة السادسة.
322 القاعدة التاسعة: هناك ثلاثة أسباب رئيسيّة تجعلنا نجد أنفسنا منقبضين:
الأول لأنّنا فاترون أو كسالى أو مُهمِلون في رياضاتنا الروحيّة؛ فبسبب أخطائنا يبتعد عنّا الانبساط الروحيّ.
الثاني لنختبرَ قيمتنا وإلى أيّ حدٍّ نتقدّم في خدمته وتسبيحه تعالى، بدون تلك المكافأة بأنواع الانبساط وبغزير النعم.
الثالث لنتعلّمَ حقّ العلم والمعرفة حتّى نشعرَ شعوراً باطنيّاً بأنّه ليس في وسعنا نحن أن نُحدثَ أو نحفظَ خشوعاً وافراً أو حبّاً بالغاً أو دموعاً أو أيَّ انبساط روحيّ آخر، بل أنّ كلَّ شيء هو هبة ونعمة من الله ربّنا؛ ولئلاّ نعتبر منّا ما هو آتٍ من غيرنا، فنرفع من شأن فكرنا حتّى الكبرياء أو المجد الباطل، ناسبينَ إلى أنفسنا الخشوع أو سائر نتائج الانبساط الروحيّ.
323 القاعدة العاشرة: مَن كان في حالة الانبساط، ليُفكِّر كيف يتصرّف في الانقباض الآتي بعدئذ، مستمدًّا قوى جديدة لأجل ذلك الحين.
324 القاعدة الحادية عشرة: مَن كان منبسطاً، ليسْعَ أن يتّضعَ ويتذلَّل ما استطاعَ، مُفكِّراً في القليل الذي هو قادر عليه وقت الانقباض، إذّ يكون محروماً من تلك النعمة أو ذلك الانبساط. وبالعكس، فمَن كان في حالة الانقباض، ليُفكِّرْ أنّه قادر على الكثير – بفضل النعمة الكافية – لمقاومة جميع أعدائه، إذا تقوَّى في خالقه وربّه.
325 القاعدة الثانية عشرة: يتصرَّف العدوّ كالمرأة، فهو ضعيفٌ إذا قاومناه بقوّة، وقويٌّ إذا تركناه يعمل. فمِن طبع المرأة، إذا خاصمت رجلاً، أن تفقد عزيمتها وتلجأ إلى الفرار، إن وقف في وجهها بعزم. وبالعكس، فإن أخذ الرجل يهرب ويفقد عزيمته، فلا حدَّ لشدة غضب المرأة وانتقامها وتوحّشها.
كذلك فمِن طَبعِ العدوّ أن يَضعُف ويفقد عزيمته ويهرب ومعه تجاربه، إن أبدى المتروّض في الأمور الروحيّة عزيمة في مقاومته تجاربَ العدوّ، وتصدّى له بنقيضها. وبالعكس، فإن أخذ المتروّض يخاف ويفقد العزيمة من شدّة التجارب، فليس على وجه الأرض وحش أشدّ افتراساً من عدوّ الطبيعة البشريّة في السعي وراء نيّة الإضرار بخباثة لا حدَّ لها.
326 القاعدة الثالثة عشرة: يتصرَّف أيضاً كالعاشق الطائش الذي يريد أن يبقى في الخفية ولا ينكشف. فالرجل الطائش الّذي يُغري بأحاديثه الخادعة ابنةَ رجل شريف أو امرأةَ رجل شريف، يريد أن تبقى كلماتُه وإيحاءاتُه خفيّة. وبعكس ذلك، فهو يستاء جدّاً إذا ما كشفت الابنة لأبيها أو المرأة لرجلها كلماتِه الطائشة ونيّتَه الفاسدة، لأنّه يستنتج بسهولة أنّه لن يستطيع التوفيق في المشروع الذي أقدم عليه.
وكذلك، فعدوّ الطبيعة البشريّة، إذا ما عرض على النفس البارّة حِيَلَه وإيحاءاتِه، يريد ويرغب أن تُقبَل وتُحفَظ في السرّ. ويستاء جدّاً إذا كشفت النفس لمعرِّفٍ خبير أو لشخص روحيّ آخر يعرف خُدَعه وحيله، لأنه يستنتج أنّه لن يستطيع التوفيق في مشروعه الماكر، إذ كُشفت خُدَعه الواضحة.
327 القاعدة الرابعة عشرة: ويتصرَّف أيضاً كقائد عسكريّ يبغي أن ينتصر ويختلس ما يرغب فيه. فإنّ القائد ورئيس الجيش في ميدان الحرب، بعد أن يكون قد أقام مُعسكرَه وتفقَّد قوّاته وجهاز القلعة، يهاجمها من أَضعف جهاتها.
وكذلك، فعدوّ الطبيعة البشريّة يقوم بدوريّته، ويتفقّد بالدور كلاًّ من فضائلنا الإلهيّة والرئيسيّة والأدبيّة، حتّى إذا رأى من أيّة جهة نحن أضعف وفي خطر أعظم لخلاصنا الأبديّ، هاجمَنا منها وحاول أن يستولي علينا.
قواعد
في الموضوع عينه لمزيد من الأرواح
329 القاعدة الأولى: من شأن الله وملائكته في تأثيراتهم، أن يهبوا الابتهاج الحقيقيّ والفرح الروحيّ، بإزالة كلّ ما يُسبّبه لنا العدوّ من حزن وقلق. ومن شأن العدوّ أن يحارب ذلك الابتهاج وذلك الانبساط الروحيّ بعرضه أسباباً ظاهرة وترّهات ومغالطات دائمة.
330 القاعدة الثانية: إنّ الله ربّنا وحده يهب الانبساط للنفس بدون سبب سابق؛ فمن شأن الخالق أن يدخل ويخرج ويسبِّب فيها تأثّراً، جاذباً إيّاها بكلّيّتها إلى حبّ عزّته الإلهيَّة. قلتُ: بدون سبب، أي بدون سابق شعور أو معرفة بموضوع ما، قد يأتي بفضله الانبساط عن طريق أفعال عقلها وإرادتها.
331 القاعدة الثالثة: إن كان هناك سبب، فالملاك الصالح والملاك الشرّير يستطيعان على السواء أن يهبا الانبساط النَفسَ، ولكن لغرضين متناقضين: أمّا الملاك الصالح فلِتقدُّم النفس كي تنمو وترتقي من حسٍن إلى أحسن؛ وأمّا الملاك الشرّير فلِلعكس، ثمّ لكي يجرّها إلى نيّته في الإضرار وإلى خُبثه.
332 القاعدة الرابعة: من شأن الملاك الشرّير – وهو يتحوَّل إلى ملاك نور – أن يسير في جهة النفس الأمينة، وأن يأتي بها أخيراً إلى جهته؛ أي أنه يعرض أفكاراً صالحة ومقدَّسة تنسجم مع النفس الصالحة هذه، ثمّ حاول شيئاً فشيئاً أن يُبلغها غايتَه، جاذباً إياها إلى خُدَعه المستورة ونيّاته الفاسقة.
333 القاعدة الخامسة: يجب أن ننتبه كلّ الانتباه إلى سير أفكارنا. فإن كان أوّلها ووسطها وآخرها حسنة تماماً، ومُتّجهة نحو الخير، كان ذلك علامة الملاك الصالح. وأمّا إذا أَبْلَغَنا سيرُ أفكارنا ما هو رديء، أو ما يصرفنا عن الخير، أو ما هو أقلُّ صلاحاً ممَّا كانت تنويه النفس أوّلاً، أو ما يُضعف النفس ويُقلقها ويُزعجها، منتزعاً منها سلامها وسكينتها وراحتها، ففي هذا دليل واضح على أنّ ذلك صادر عن الروح الشرّير، عدوِّ تقدّمنا وخلاصنا الأبديّ.
334 القاعدة السادسة: متى شُعر وفُضح المُجرَّب، عدوَّ الطبيعة البشريّة، من ذَنَبه الثُعبانيّ ومن الغاية الرديئة التي يجذب إليها، يكون من المفيد له أن ينظر بعدئذ إلى سير الأفكار الصالحة التي أوحاها إليه وإلى نقطة انطلاقها، أي كيف أنّه حاول شيئاً فشيئاً أن يُنزله عمّا كان عليه من العذوبة والفرح الروحيّ، ليجرَّه إلى غايته الفاسقة. وهكذا، فإنَّ الإنسان – إذ عرف ودوَّن ما اختبره – يحترز في المستقبل من خُدَعه المألوفة.
335 القاعدة السابعة: إنّ الذين يسيرون من حَسن إلى أحسن، يمَسُّ الملاكُ الصالح أنفسَهم بلطف وخفّة وعذوبة، كنقطة الماء التي تتشرَّبها الإسفنجة. وأمّا الملاك الشرّير، فإنّه يمسّها بحِدّة وضجيج واضطراب، كنقطة الماء التي تقع على الحجر. والذين يسيرون من سيِّء إلى أسوأ يمسُّهم الروحان المذكوران على وجه معاكس؛ والسبب في ذلك هو أنّ تأهُّب النفس مخالفٌ أو مشابهٌ للملاكين. فمتى كان مخالفاً لهما، كان دخولهما صاخباً محسوساً ملحوظاً؛ ومتى كان مشابهاً لهما، كان الدخول صامتاً كمن يدخل في بيته والأبواب مفتوحة.
336 القاعدة الثامنة: متى كان الانبساط بدون سبب، فلا يتضمَّن فخاً، بما أنّه – كما سبق القول – يصدر عن الله ربّنا وحده. ومع ذلك، فلا بدَّ للإنسان الروحيّ الذي يهبه الله هذا الانبساط أن يفحصه بكثير من السهَر والتأنِّي، فيميِّز بين وقت ذلك الانبساط الحالي والوقت الذي يليه، حيث لا تزال النفس مضطرمةً مُحظاةً بما أُنعِم عليها وبعواقب الانبساط السابق.
ففي الوقت التالي هذا – إذ نفكِّر انطلاقاً مِمّا لأفكارنا وأحكامنا من ارتباطات واستنتاجات، أو تحت تأثير الروح الصالح أو الشرّير – كثيراً ما نصمِّم مشاريع وآراء مختلفة لا يهبنا الله ربّنا إيّاها مباشرة. فمن الضروريّ أن نفحصها بمنتهى الاهتمام، قبل أن نركن إليها وننفّذها.
ملاحظات
تساعد على الشعور والتفهُّم لوساوس عدوّنا وإيحاءاته
346 الملاحظة الأولى: اِعتاد الناس أن يُطلقوا كلمة وسواس على ما يصدر عن حُكمنا وحرّيّتنا الخاصّة، حين نتصوَّر بحريّة وجود خطيئة حيث لا خطيئة، مثلاً إذا حدث أن داس أحد قشَّتين بشكل صليب، فظنَّ بعدئذ بحُكمه الشخصيّ أنّه ارتكب خطيئة. وذلك ضلال في البصيرة، لا وسواس بحصر المعنى.
347 الملاحظة الثانية: بعد أن دستُ ذلك الصليب، أو بعد فكر أو قول أو عمل ما، يُداخلني فكر بأنّي خطئت؛ وأظنّ من جهة أخرى أنّي لم أخطأ، ولكنّي أشعر بقلق بسبب ذلك، أشكّ ولا أشكّ في آنٍ واحد؛ فذلك هو بحصر المعنى الوسواس والتجربة التي يعرضها العدوّ.
348 الملاحظة الثالثة: الوسواس الأوّل (أي الملاحظة الأولى) يجب كَرْهه تماماً، لأنّه مجرَّد ضلال. وأمّا الوسواس الثاني (الملاحظة الثانية) فهو – إن لم تَطُلْ مدّته – يساعد كثيراً النفس التي تتعاطى الرياضات الروحيّة على التقدّم. فينقّيها ويطهّرها كثيراً، مجنّباً إياها كل ما يشبه الخطيئة. وقد قال القدّيس غريغوريوس في هذا الصدد: "من شأن النفوس الصالحة أن ترى الخطيئة حيث لا خطيئة".
349 الملاحظة الرابعة: ينظر العدوّ جيداً هل النفس غليظة أم رقيقة. فإن كانت رقيقة، حاول أن يزيدها رقّة حتىّ التطرّف، لكي يزيدها قلقاً وبلبلة. فإن رأى مثلاً أن نفساً لا تقبل في نفسها لا الخطيئة المُميتة ولا الخطيئة العَرَضيّة ولا أيّ ظاهر من ظواهر الخطيئة المقصودة، فعَجَز عن إسقاطها في أيّ شيء يشبه الخطيئة، حاول عندئذ أن يجعلها تتصوَّر الخطايا حيث لا خطايا، مثلاً في كلمةٍ ما أو في فكر طفيف.
وإن كانت النفس غليظة، حاول العدوّ أن يزيدها غلاظة. فإن كانت مثلاً تستخفّ بالخطايا العَرَضيّة، حاول أن يجعلها تستخفّ بالخطايا المُميتة؛ وإن كانت توليها بعض الاهتمام، حاول أن يجعلها تقلِّل كثيراً هذا الاهتمام أو تزيله تماماً.
350 الملاحظة الخامسة: على النفس التي ترغب في التقدّم في الحياة الروحيّة أن تسلك دائماً سلوكاً يُعاكس سلوك العدو. فإن أراد أن يجعل النفس غليظة، وجب عليها أن تسعى لتكون رقيقة. وكذلك فإن أراد العدوّ أن يجعلها رقيقة فوق الحدّ ليجرّها إلى الإفراط، فلتَسْعَ لتتقوّى في الموقف الوَسَط فترتاح تماماً.
351 الملاحظة السادسة: تُريد أحياناً النفسُ الصالحة – في أمانتها للكنيسة أو لرأي رؤسائنا – أن تقول أو تعمل شيئاً من شأنه أن يمجّد الله ربّنا، فيداخلها فكرٌ أو تجربة بأن لا تقوله أو تعمله لأسباب خادعة من المجد الباطل وغيره، الخ. فعليها عندئذ أن ترفع روحها إلى خالقها وربّها. فإن رأت أنّ ذلك يؤول إلى خدمته أو أقلّه لا يعارضها، وجب عليها أن تتصرّف بعكس التجربة، مُردِّدة مع القدّيس بِرْنَرْدُس: "لم أبتدئ لأجلك، فلن أتوقّف بسببك".
حديث رقم 21
خواطر في الصوم
- لماذا نصوم؟
عندما يسألون يسوع لماذا تلاميذه لا يصومون، يجيب يسوع أنّ الصوم هو عندما لا يكون العريس معنا. هل يسوع معنا؟
عندما يتكلّم يسوع عن تلاميذه مع الآب، يقول عنهم أنّهم في العالم ولكنّهم ليسوا من العالم. ما يجعلنا بحاجة للصوم هو أنّنا في الوسط. نصوم لأنّنا لسنا في بيتنا، نحن في العالم، في غربة.
روما 8: 18: إنّ آلام هذا الدهر لا تُساوي المجد الّذي سيتجلّى فينا. الخليقة كلّها تئنّ كمِن ألم المخاض لأنّها أُخضعت للباطل لا بإراداتها بل بإرادة الّذي أخضعها. الخليقة تمرّ بمخاض منتظرة أن يظهر أبناء الله. ونحن أيضًا نئنّ في باطننا لأنّنا نلنا باكورة الروح الّذي هو خلاصنا ولكنّه لم يكتمل فينا، نحن في انتظار هذا الاكتمال. هذا الألم الّذي نعيشه، سننساه عندما يتجلّى فينا المجد. بدأ المخاض فينا ونحن نحمل وعد غير مكتمل بالمجد. بما أنّ هذا الوعد مهدّد بالنسيان، يأتي الصوم ليذكّرنا. هو الحياة الإلهيّة الّتي نعيشها في جسدٍ غير مكتمل.
- ما هي الحياة الإلهيّة؟
هي حبّ القريب. نحن نعيش في رفض الآخر وفي جسدٍ مطبوع بالرفض، نرغب في أن نعيش الحبّ. نريد أن نحبّ القريب مثلما يحبّه الله. لكننا نحبّ بجسدٍ لم يكتمل. يُحاول هذا الجسد أن يَحْمِل الحياة الإلهيّة.
هذا الجسد يتطلّب تدريبًا. الصوم هو تدريب على الحياة الإلهيّة وإذا لَغَيْنا منه حبّ القريب أصبح الصوم بلا معنى، فارغ وممارساتٍ فارغة. هو تدريب الجسد على ترك الحسد من الآخر. هو أيضًا تحضير للدعوة الإلهيّة أي الحبّ. نحن نتحضّر إلى تقدمة الذات ويظهر هذا الحبّ عندما نبذل ذاتنا على مثال يسوع.
الصوم هو أيضًا انتظار. نحن أناسٌ موعودون. الإنسان الموعود هو في انتظار. لو لم يوجد الوعد لما كنّا انتظرنا وتعبنا، ولم يكن هنالك رجاءً. لو تحقّق الوعد لما كنّا في انتظار ولم يكن هنالك رجاءً أيضًا. نحن نصوم لأنّنا في انتظار، في الوسط. الصوم هو لكي نقول أنّنا في انتظار. مثل المخطوبة الّتي تنتظر خطّيبها.
الصوم تحرّر. يحرّرني الصوم من سطوة العالم. نحن في العالم ولكنّنا لسنا من هذا العالم. هو تحرّر من أفكار البشر إلى أفكار الله. والتوبة هي في تغيير أفكاري وتوجيهها إلى الله.
هدف الصوم هو في محبّة الآخر. "انتقلنا من الموت إلى الحياة لأنّنا نحبّ الإخوة".
نعيش الصوم في الخفاء وفي نفس الوقت نعيش الصوم في الجماعة. الخفاء هو منطق وليس تخبئة. نعيش الصوم في الجماعة وهذا ليس ضدّ الخفاء. لمن يرغب في أن يعيش الصوم في الجماعة، ننصحه فبقراءة روما ١٢ وروما ١٤. في روما ١٢، يعلّمنا مار بولس بناء جسد المسيح. أمّا في روما١٤، يكلّمنا مار بولس عن أكل اللحوم. القاعدة لأقرّر صومي أو أَكْلي هو بناءً على خلاص وفرح أخي.
الصوم هو أيضًا اعتراف وشكر: اعتراف بأنّ ما لي هبة من الله، فأمتنع عن الاستهلاك المباشر لكي أستقبل من هو أهمّ من الهبة: الواهب.
حديث رقم 22
تذكير:
أقارن بين مزمور 115 وخروج 3: 7-8: قل لي أيّ إله تعبد أقل لك من أنت! الإنسان على صورة من يعبد.
بقراراتي الله يأتي إلى العالم، كما في موسى الّذي يأتي إلى الشعب في مصر، الله هو الّذي يأتي.
بقراراتي أنا مثل مريم: أحمل المسيح إلى العالم، لأنّه يأتي بقراراتي.
بقراراتي أنا مثل يوحنّا المعمدان: أعدّ الطريق ليسوع. قراراتي هي طريق يسوع إلى العالم.
مجيء الربّ: كيف نستعدّ؟ يسوع يتكلّم عن "الساعة"، الساعة الحاسمة الّتي فيها يظهر للعالم. هكذا زمننا ليس تتابع دقائق وساعات ولكنّه تحضير للحظات حاسمة، لأوقات مميّزة، وكلّها تلميح للّحظة الحاسمة، مجيء الربّ عند اكتماله. ما هو "الحاسم"؟ هو ما بعده ليس مثل قبله، ما يغيّر حقًّا في حياتي، وفي الوقت نفسه هو فرصة تغيير يمكن لي أن أفوّتها، ألاّ أكون على مستواها. مثل الثمرة تُقطف في أوانها وإلاّ تفسد. ماذا أخسر حين أفوّت ما هو حاسم؟ أخسر التغيير الّذي أشتهيه وأرغب فيه! بعضهم يقولون لا جهنّم لأنّ الله محبّة. هؤلاء لم يفهموا أنّ الحبّ شيء حاسم. إن أنكرنا إمكانية الخسارة ننكر وجود الربح أصلاً. ولكن لا يمكن لي أن أفهم جهنّم إلاّ لي أنا، لا للآخرين، لأنّي لا أختبر الحسم حقًّا إلاّ في حياتي أنا.
الخطيئة... من جديد. كيف نتعامل مع خطيئتنا الباقية؟ قد يتراخى البعض أمام الخطيئة مركّزًا على القرارات ومهملاً اليقظة الداخليّة الّتي سعينا إليها في المرحلة الأولى من الرياضة! لهؤلاء أقول إنّ القرار لن يأتي بدون مصالحة مع الله. كيف يسكب الله مشيئته في إرادة تناقضه بدون ندم؟ وقد يتخلّى البعض الآخر عن اتّخاذ القرار بسبب تكرار خطيئته كأنّ الربّ لا يعرف قلبه ولا يغفر له. في الحالتين أخطئ الهدف. خطيئتنا جزء من العالم الّذي أتى يسوع يخلّصه، وقرارنا هو طريق يسوع إلى العالم. فلا يسعنا تمهيد الطريق إن لم نحارب الخطيئة، ولكنّنا لأنّنا نحتاج إلى مخلّص يأتي يسوع إلينا، وبالتالي لا نستغرب استمرار خطيئتنا. بالرجاء نعلم أنّنا غالبون، ولكن ما نرجوه لا نراه منذ الآن...
كيف أتّخذ مقصدًا؟
ابتدأنا نتعلّم أن نتعرّف إلى اللمسات الإلهيّة وإلى التجارب الروحيّة. هي "دروس" تخلق فيّ عادات في النظر إلى الأمور وتكشف لي عن عادات قاتلة وعادات خصبة. إن لا أقرأ ما اكتشفته ستعود العادات القاتلة بسهولة لأنّ العادات تطردها العادات. أتبنّى عادات جديدة. ولكن هنا لا بدّ من الانتباه: لا تثبت العادات إلاّ إذا كانت "عاديّة"، أي تعود باستمرار. القرار ليس قداسة، بل مكان القداسة. القداسة نموّ مستمرّ وبطيء، ولكنّ في حياتي ما يعيق هذا النموّ، إمّا العادات القاتلة وإمّا الإطار غير الموافق. بالقرار أحدّد المكان الّذي سأسعى إلى أن أنمو فيه أو العادات الّتي سأنمو فيها. لهذا، من الضروريّ أن يكون قراري مكان نموّ. ولكن نموّ في ماذا؟ في خدمة رسالة المسيح.
ملاحظة: من السهل جدًا أن نختار المسيح، ومن السهل أيضًا أن نؤجّل تطبيق القرار وهذه تجربة كبيرة من الشرّير. القرار يدخلني بشيء حاسم ونهائي ولذلك كلّ قرار يشبه الموت. كيف؟ لو لَم تكن لحياتي نهاية، لا يوجد قيمة لأي شيء أفعله فيها. فالقصّة الّتي لا خاتمة لها ولا تنتهي ليس لها معنى. والحالّ أنّ حياتي لها نهاية، أعطي من ذاتي في كلّ قرار. كلّ شيء أعطيه من ذاتي له قيمة لأنّه يُدخل شيئًا جديدًا في حياتي. هناك شيء سيموت حين أقرّر. الحريّة لا تُعاش إلّا إذا بذلتها في سبيل شيء. يجب أن أكسر تعدّد الإمكانيّات لكي أختار طريقًا واحدًا ونهائيًّا. وهنا يأتي خوفنا من كسر الإمكانيّات ولا نختار القرار ونترك قرارنا يفرض نفسه. بهذا المعنى نقول أنّ للقرار نكهة وهي الموت. هي تحويل لعنة إنكسار الحياة إلى بركة وحياة.
يسوع يعرف أنّه في كلّ قرار يأخذه سيواجه الموت ولكنّه يعرف أنّ الموت سيتحوّل إلى الحياة أي إلى الله. وهنا المرحلة الجديدة بعد أسبوعين الّتي ستتمحور حول قرار يسوع باختيار موته.
نقاط تساعد على التأمّل
الإثنين 10 آذار 2014
لوقا 12 / 35 - 48 : السهر ومثل الوكيل الأمين
نقاط الصلاة
النقطة الأولى :
أصغي إلى ذاتي التي تقول : " ألا يكفي أن أكون في حياتي اليومّية مرغم على عيش ضغط الإنتباه للأولاد، للعمل، للمرضى، للإقتصاد، للبيئة، للمياه، للكهرباء، للصحة، للأمن..لتأتي يا ربّ "مع "ضغط السهر " أيضاً في إتّباعك؟؟ أشعر بتعبي من واقع الحياة اليوميّة المقلق.. أقدّمه للربّ.. أتذكّر كلامه وأُردِّده في قلبي : " لا تقلق..لا تخف.." ألتمس حضوره في هذا الواقع المحتوم..أتذوّق نعمة روحه القدوس تُدخلني في سلام وفرح "السهر والوعي" لحضوره الدائم فيّ..أسمعه يدعوني للدخول في خدمة ورشة ملكوته، "مطعِّماً يومي" بأعمال محبّة الآب ورحمته..
النقطة الثانية :
أتخيّل تلميذ ينتظر أُستاذه الذي يحبٌّه وخادم ينتظر معلّمه..أدخل في مشاعرهما ومواقفهما.. أبحثُ في داخلي إن كنت أرغب " التـتـلمذ للمسيح وخدمة رسالته "..أُصغي إلى إستعداداتي الداخلية ووضعيتها..أُوجّهها نحو الملكوت الآتي..ألتمس إلتزاماً نوعياً في إتباع يسوع..أطلب " رؤية إنتظاراته فيّ وإنطلاقاتي معه " لكيما أجرؤ الدخول في " ثقة مجيء الملكوت " ورجاء إكتمال تحقيقه..
النقطة الثالثة :
أتجوّل في رحاب الكتاب المقدس..ألتمس المعاني التي حملتها كلمة "الأوساط " في طيّاته..أجد فيها "مكان القوّة والسند" الداخلي الذي عليه أتّكل في مواقف ضعفي.. أتذوّق فيها "مركز الوجدان والمشاعر العميقة" .. أُشاهدها "ميزاناً" لضميري " ودعوة " للسهر الداخلي " لكيما "أفكاري ومشاعري القلقة" لا تحجب عنّي حبّ الآب ورغبتي بأن أهب له حياتي... أشدُّ أوساطي ، أُميّز رغبة قلبي وأبحث عن المكان الذي "أَقبَل فيه مجيء الربّ وخدمته " في حياتي لكيما يجعل منه "مسكناً" يلفُّه سكينة صمت الحياة وسلامها ..
الثلاثاء 11 آذار 2014
لوقا 12 / 49 – 56: لماذا جاء يسوع
نقاط الصلاة
نقاط الصلاة
النقطة الأولى:
كلام يتناقض مع ما بَشّرَ به الجموع على ضفاف البحيرة، في البرية وعلى الجبل.. أَخرُج من بين الجموع وأضع نفسي بمصاف التلاميذ.. أُصغي إلى يسوع يكلِّمُهم بحقائق صعبة الفهم والعيش.. حقائق تتطلّب غوصاً عميقاً وخيارات وقرارات جذرية.. أسأل نفسي إن كنت أتبع المسيح كفعل تحدٍّ أرفعه لنفسي، أم من أجل إستحقاق مكافآت مقابل جهودي، أم كهبة أتفاعل معها للمضيّ لحياة جديدة؟ ألتمس نار روحه القدوس ليُلهب قلبي "بحبٍّ إلهيِّ" يجذبني لمرتبة "الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها"...
النقطة الثانية :
أرأيت مرّة كيف يُستخرج الذهب من الأرض؟ إنّه كتلة سوداء لا يمكن التمييز فيها عمّا إذا كانت ذهبٌ أصيل أم معدن ضعيف.. وحدها النار عند حرقه تؤَكِّدُ نوعيته ومتانته.. قلبي "ذهب" يتطلّب " ناراً " تحرق فيه ما يلُفُّه من حقد وغيرة وكذب وعنصرية وظلم وهدر حقوق الضعيف، لكي يسطع لونه ويميّز معدنه.. أناجي الربّ طالباً منه " أن يُعمِّدني بالروح القدس والنار".. نار محبّة الآب لي بروحه القدوس لكيما " بكلمة الإبن " تـتّـقِـدُ فيّ باستمرار جمرة الإيمان وشعلة رسالة البشارة..
النقطة الثالثة :
أتظنون أني جئت لأحلّ السلام؟ لا بل إنقسام"..ما أقسى هذه الكلمات وما أصعب وقعها خاصة على من يذكر نشيد زكريا وإقراره "أنّه قد ظهر للمقيمين في الظلمة ليخطط خطانا لسبيل السلام".. أُشاهد يسوع يُرسل تلاميذه ليكونوا شهوداً لموته وقيامته..أُصغي إليه يُحضِّرهم لنتائج هذا الإلتزام..لا تلميذ افضل من معلِّمه.. ألتمس الثبات والأمانة لتعاليمه التي ستواجه التصدِّي والرفض حتى من أقرب الناس إليّ..
الأربعاء 12 آذار 2014
متى 25 / 1 – 13 : مثل العذارى
نقاط الصلاة
النقطة الأولى:
في سياق مسيرة إنجيل متى التبشيرية، أرى إقتراب"الساعة التي سيتمجّد فيها الربّ"..أُشاهد يسوع يشعر بضيق الوقت الذي يفصله عن "إنحجابه عن أنظار تلاميذه" ..أراه يحصر توجيه كلامه إليهم لكيما يؤسِّس دعائم علاقته بهم ويمدٌّهم "بزيت" أمانته في غيابه.. أُخلي ذاتي مكاناً ينفتح لعمق حضور الربّ في حياتي..أتذوّق دعوته لإتخاذ موقف "السهر والإنتظار"..ألتمس "نعمة فراغ الإنتظار" الذي يُبَلور نوعيّة "حبّ الغائب" ويٌعمِّقها...
النقطة الثانية :
إنتظار غياب الآخر لا يُمكن أن يُعاش إلا بالحبَ، وحبّ الآخر في غيابه ما هو إلا إنتظار.. أشاهد "عهد الربّ" القائم مع البشرية وشعبه يتلمّس إقامة "عهد" شخصيّ حميمي مع كلّ واحد منا..أضع نفسي مع "العشر عذارى" أللواتي أردن إقامة "عهد حبٍّ ووفاء " مع الربّ.. أبحثُ في داخلي عن "مواقف" تشبه فيها "العذارى الحكيمات"، وعن "مواقف" أُخرى تشبه فيها "العذارى الجاهلات"..أسمع بقوله "إنَي لا أعرفكنَ" دعوة لأضع "بقوّة روحه" خارج علاقتي به كلّ "سطحية وجهل وكبرياء"..أتذوَق لقائي به بعد طول إنتظار..لقاء "معرفة" ترتكز على رؤيته "الجزء الأفضل فيَ" والإتكال عليه لبناء الملكوت..
النقطة الثالثة :
وضع سقفٍ للبيت والشمس مشرقة أسهل منه عند هطول المطر..إكتشاف الخيرات والإفادة منها في النهار، أفضل منه في ظلام الليل..إقامة مواقف إيجابية وبنّاءة في علاقاتنا مع الآخرين تبدو ممكنة عندما يسودها الإتفاق والسلام..في بعض الأحيان نشعر بنموَ إيماننا وثماره، وأحياناً أُخرى، نراه يغُطُ في ثُبات الظلام الفارغ..أجد في مثل العذارى دعوةً "للتمرُّس على الحبّ، والمساعدة، والغفران، والتمييز، والمسؤولية " "كمؤونة لبركات الربّ" واستمرارية فعاليتها في كلّ مراحل حياتي..أستقرّ في ملكوت الله.. أُشاهده ملكوتاً مبني لا على "حكم الأقلية الكاملة في أحكامها" فقط ، إنَما على شوائب ونواقص " البشر أيضاً..ألتمس نعمة " السهربروح الحكمة والفهم" على "خصوبة علاقتي بالآب" في كلّ الظروف وفي كلّ مكانٍ وزمان..
الخميس 13 آذار 2014
متى 25 / 14 – 30 : مثل الوزنات
نقاط الصلاة
نقاط الصلاة
النقطة الأولى :
أرى يسوع بالرجل الذي أراد السفر، والتلاميذ بالخدم، وبشارة الإنجيل وتفاعلها في قلوب البشر بالوزنات.. أشاهدها حقيقة مطروحة في "زمن الحسم" ، مع او ضدّ الإلتزام بالملكوت..ألتمس الخروج من قلق معرفة " متى سيعود السيِّد" للدخول في منطق فرح إقامة "علاقة عميقة معه، وخدمة مشروعه الخلاصي.."
النقطة الثانية :
أتأمّل بمواقف الخدم الثلاث.. أرى كيف أنّ كلّ واحد منهم تفاعل مع مهمّته بحسب الصورة التي يكوِّنها عن سيِّده..أبحث في كياني عن الصور التي أحملُها عن هويّة الله..أهي سلبية أم إيجابية؟ أهي مصدر خوف أم مصدر ثقة ؟ أتشِلُّ حركتي وتخنقها أم تطلق طاقاتي وتحييها؟ ألتمس نعمة روحه القدوس، لينقّي ذاكرتي وعقلي وإرادتي من كلّ صورة شائبة ومن كلّ روح خوف وبطالة وغشّ وَوَهم، لأنتقل من دور "المتفرِّج" إلى دور "الفاعل" في حقل البشارة ومتطلّباتها.
النقطة الثالثة :
أدخل في إنتظار الخدم لسيِّدهم..أتخيّل شعورهم..أراهم يتأرجحون بين تَوقِهم لتحقيق إكتمال ما يَرجونَه ومِحنة الإنتظار، وخطر الفتور..أتأمّل جهادهم للإبتعاد عن تفاهات العالم وفراغه..ألتمِس "شعلة الروح المحيي" لتصبح حياتي خياراً واعياً لتفعيل "وزناته" فيها " بِهِمَّةٍ لا تَتقِّد".
الجمعة 14 آذار 2014
متى 25 / 31 – 46 : الدينونة العظمى
نقاط الصلاة
نقاط الصلاة
النقطة الأولى :
أتأمّل حضور يسوع الحسيّ والملموس في سرّ تحوُّل الخبز والخمر وفي سرّ القريب.. أتذوّق حضوره الآنيّ والمستمر في حبٍّ لا يتوقّف عن الإنسكاب رحمة للإنسان.. أرتمي في أحضان "محرقة حبٍّه " ملتمساً تحوُلاً جذرياً ، يجعل فيها بصري وسمعي ولمستي "أيقونة حيّة" يُقرأُ فيها حنان الله واتحاده بالإنسانية..
النقطة الثانية:
أشاهد الله في قصّة الخلق يفصل الليل والنهار، الأرض والمياه ، النور والظلمة ..أراه بالفصل يسمح "بالتمييز " والتميُّز" بعطايا خاصة ..أبحث عن "الخراف والجداء" في تطلُّعات حياتي. أصغي إلى ذاتي التي "لا تؤذي أحداً" وفي الوقت عينه تمتنع عن عمل الخير..ألتمس روحه القدوس لينير "بصيرة قلبي" لكيما أعكس صورته "أعمال محبّة" للقريب والبعيد لا خوفاً من الدينونة والعقاب بل إندافعاً لتحقيق ملكوته به وله ومعه.
النقطة الثالثة :
No comments:
Post a Comment