حديث رقم 24
المرحلة الجديدة ليست
أسهل مرحلة في الرياضة، لأنّها الدخول في سرّ آلام الربّ وموته. آلام الربّ سرّ
وذلك يعني أنّنا ندخل فيها أكثر مما أنّنا نُحيط بها، لا نستطيع أن نمتلكها. في
مشاهدة السرّ، المرئيّ يصبح طريق لغير المرئي. هو مفتاح لكي نذهب إلى أبعد. الّذي
يدخل بطمع لكي يمتلك السرّ لن يستطيع الحصول على السرّ. أمّا الخاشع ينكشف السرّ
امامه. دخولنا في آلام الربّ هو الدخول في سرّ.
لماذا كان يجب على
المسيح أن يدخل في آلامه؟ ممكن ألاّ نحصل على الجواب، سندخل في السرّ وسنحاول أن
نفهم قليلاً عبر الشعور وليس العقل. هل مشيئة الآب الّتي طلبها يسوع هي
مشيئة الموت والألم؟ الدخول في آلام المسيح سيضع إيماننا في امتحان لكي
نرى مدى ثباتنا بثقة الله على مثال يسوع في البستان. ثَبَتَ يسوعُ في
مشيئة الآب حتى في الألم والموت. هل الله مُحبّ للحياة؟ هل الله صادق في
وعوده؟ جاوب يسوع عن هذه الأسئلة بدخوله بسرّ الموت.
هذه اللحظة هي
"الساعة" كما سمّاها يسوع وطلب أن يبعدها الله عنه. وكأنّها زمن خاصّ،
مختلف. في لوقا ٢٢: ٣٥-٣٦، يقول يسوع : " ثم قال لهم حين أرسلتكم
بلا كيس ولا زاد هل اعوزكم شيء. فقالوا لا. فقال لهم لكن الان من له كيس فليأخذه...
ومن ليس له سيف فليبع ثوبه ويشتر سيفا".
هل يريدنا يسوع أن
نحصل على المال والسلاح؟ لماذا قال هذه الآية؟ من يقرأ الأزمنة بدون تمييز، تتشابه
الأزمنة عنده. قصد يسوع أن ننتبه من الناس حتّى مع اتكالنا على العناية الإلهية.
هناك زمن لنكون ودعاء كالحمام وهناك زمن لكي نكون حكماء كالحيّات.
في يوحنا ٩: ٤، يقول
يسوع لتلاميذه: " ينبغي أن أعمل أعمال الّذي أرسلني ما دام نهار. يأتي
ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل". هذا الليل هو المرحلة الأخيرة ليسوع الّتي
فيها يقوده الناس إلى مكانٍ يختارونه له.
في يوحنّا ٣٠:١٤-٣١،
يقول يسوع :" لا أتكلّم أيضًا معكم كثيرًا لأنّ رئيس هذا العالم يأتي
وليس له فيَّ شيء. ولكن ليفهم العالم أنّي أحبّ الآب وكما أوصاني الآب هكذا
أفعل". سيّد هذا العالم ليس له كلمة على يسوع وهذا سيظهر للعالم. ولكن هذا
لكي ظهر محبّة يسوع للآب.
لكي نستطيع أن ندخل في
هذا الزمن علينا أن نعرف كيف دخل التلاميذ. ٣ أمثلة تساعدنا:
- موقف يهوذا
الّذي رفض هذا الزمن وأسلم يسوع. أسلمه لأنّه كان ينتظر أن يغلب يسوع هذا
الزمن.
- موقف بطرس
والرسل الّذين يدخلون في الزمن مُرغَمين، لا يفهمون شيء. يقول
يسوع لبطرس: "حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني ولكنّك ستتبعني أخيرًا (يو١٣: ٣٦ ).
وعد يسوع بطرس أنّه لن يفهم الآن ولكن سيفهم في وقت آخر وسيتبع يسوع وعلى مثال
بطرس، حتّى وإذا دخلنا برغم عدم فهمنا سنفهم في حينٍ آخر ولدينا الوعد من يسوع.
ممكن أن ندخل في هذا
الزمن على طريقة أمّ يسوع، مريم. في عرس قانا يُظهر يسوع لأمّه أنّه
ليس الوقت، ليست الساعة. الساعة هي وقت مريم، لأنّه عندما تأتي الساعة
تظهر أمّ يسوع. ولذلك تقول للخدم أن يطيعوه. وتحويل الماء هو رمز لتحويل دم يسوع
إلى الخمر الجديد. وعندما يراها عند الصليب لا يستنكر وتكون الساعة قد أتت.
من الأفضل أن ندخل عبر مشاعر يسوع الّتي شعر بها
في حينها. سنطلب النعمة: أن أشعر في باطني ما اختبره يسوع وما عاناه من
أجلي وأن أشعر بالخجل لأنّي لست على مستوى مشاعر الربّ. يظهر التلاميذ وكأنّهم
ليسوا على نفس المستوى. من أجلهم يموت بل ويسلّمهم كنيسته. ليس المطلوب أن يكونوا
على المستوى بل المطلوب أن يشعروا بالخجل؛ الخجل أنّني لست على مستوى آلام
الربّ. ليس شعور جميل بل عليّ أن أطلبه. لو لم يشعر الرسل بالخجل لما نشأت
الكنيسة.
هذا
الزمن هو فقدان وخسارة. نرى في نشيد الأناشيد: " في الليل على فراشي
طلبت من تحبّه نفسي، طلبته فما وجدته " (نشيد ٣\١). هذا الشعور بالغياب
الفارغ. هذا الشعور لمسه يسوع ومريم والتلاميذ. شعره يسوع تجاه أبيه.
No comments:
Post a Comment